الضعيف إذا وضع في النار القوية فإنه ينطفىء فكذلك ههنا (١).
قوله : (لا يَسَّمَّعُونَ) قرأ الأخوان وحفص بتشديد السين (فالميم) (٢) والأصل يستمعون فأدغم ، والباقون بالتخفيف (٣) فيهما. واختار أبو عبيد الأولى وقال : لو كان مخففا لم يتعد بإلى (٤). وأجيب عنه بأن معنى الكلام لا يسمعون إلى الملأ ، وقال مكي : لأنه جرى مجرى مطاوعه وهو يسّمّعون فكما كان يسمع يتعدى (٥) «بإلى» تعدى سمع بإلى ، وفعلت وافتعلت في التعدي سواء فتسمع مطاوع سمع واستمع أيضا مطاوع سمع فتعدى سمع تعدّي مطاوعه (٦). وهذه الجملة منقطعة عما قبلها ولا يجوز فيها أن تكون صفة لشيطان على المعنى إذ يصير (٧) التقدير : من كلّ شيطان مارد غير سامع أو مستمع وهو فاسد ، ولا يجوز أن يكون جوابا لسؤال سائل : لم تحفظ من الشياطين؟ إذ يفسد معنى ذلك (٨). وقال بعضهم : أصل الكلام لئلا يسمعوا فحذفت «اللام وأن» فارتفع الفعل وفيه تعسف (٩). وقد وهم أبو البقاء فجوّز أن تكون صفة وأن تكون حالا وأن تكون مستأنفة (١٠) فالأولان ظاهرا الفساد والثّالث إن عني به الاستئناف (١١) البياني فهو فاسد أيضا. وإن أراد الانقطاع على ما تقدم فهو صحيح(١٢).
فصل
واحتجوا لقراءة التخفيف بقوله تعالى : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء : ٢١٢]. وروى مجاهد عن ابن عباس : أن الشياطين يسمعون إلى الملأ الأعلى ثم يمنعون ولا يسمعون وللأولين أن يجيبوا فيقولوا التنصيص على كونهم معزولين عن السمع لا يمنع من كونهم معزولين أيضا عن التسمع (١٣) بدلالة هذه الآية بل هذا أقوى في ردع الشياطين ومنعهم من استماع أخبار السماء فإن الذي منع من الاستماع بأن يكون ممنوعا
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) سقط من ب.
(٣) من القراءات المتواترة انظر : السبعة ٥٤٧ والإتحاف ٣٦٨ ، والقرطبي ١٥ / ٦٥ والنشر ٢ / ٣٥٦ ومعاني الفراء ٢ / ٣٨٣.
(٤) القرطبي ١٥ / ٦٥ والسمين ٤ / ٥٣٩.
(٥) في ب : تعدى.
(٦) قاله في مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٣٤ ، وانظر أيضا الكشف له ٢ / ٢٢٢.
(٧) في ب : يعتبر.
(٨) هذا توجيه الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٣٥ و ٣٣٦ وأبي حيان في البحر ٧ / ٢٥٢ و ٣٥٣ وانظر : الدر المصون ٤ / ٥٣٩.
(٩) نقلته المراجع الثلاثة السابقة.
(١٠) التبيان ١٠٨٨.
(١١) هو أن تكون الثانية ـ أي الجملة الثانية ـ بمنزلة جواب لسؤال اقتضته الجملة الأولى ، الإيضاح للقزويني ١١٥ ـ ١١٧ وهذا ليس منه بالطبع.
(١٢) الكشاف ٣ / ٣٣٦ والدر المصون ٤ / ٥٤٠.
(١٣) في ب : التسميع.