يعني عبد الله بن مسعود وابن عباس (١). والعجب من الله ليس كالتّعجّب من الآدميين كما قال : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) [التوبة : ٧٩] وقال : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧]. فالعجب من الآدميين إنكاره (٢) وتعظيمه والعجب من الله تعالى قد يكون بمعنى الإنكار والذّمّ وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا كما جاء في الحديث : «عجب ربّكم من شابّ ليست له صبوة» (٣) ، وقوله: «عجب ربّكم من إلّكم وقنوطكم وسرعة إجابته إيّاكم» (٤). وسئل جنيد (٥) عن هذه الآية فقال : إن الله لا يعجب من شيء ولكن الله وافق رسوله لمّا عجب رسوله وقال : (إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) أي هو كما تقوله (٦).
قوله : (وَيَسْخَرُونَ) يجوز أن يكون استئنافا (٧) وهو الأظهر. وأن يكون حالا. والمعنى أي عجبت من تكذيبهم إياك وهم يسخرون من تعجبك (٨) ، وقال قتادة : عجب نبيّ الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم وذلك أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان يظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون القرآن فسخروا منه ولم يؤمنوا عجب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من ذلك فقال الله تعالى : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) (وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) أي إذا وعظوا بالقرآن لا يتّعظون(٩).
وقرأ (جناح) (١٠) بن حبيش «ذكروا» مخففا (١١) ، (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) قال ابن عباس ومقاتل: يعني انشقاق القمر (١٢) «يستسخرون» يسخرون ويستهزئون ، وقيل : يستدعي بعضهم عن بعض السخرية (١٣) وقرىء «يستسحرون» بالحاء المهملة (١٤). (وَقالُوا إِنْ هذا
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٥٤٢ والقرطبي ١٥ / ٦٩.
(٢) في ب : إن كان تحريف ولحن.
(٣) أخرجه البغوي في تفسيره ٦ / ١٩ وقد أخرجه أبو داود السجستاني في باب الجهاد برقم ٣٦.
(٤) البغوي والخازن ٦ / ١٩ والقرطبي ١٥ / ٧٠ و «الإلّ» أشد القنوط.
(٥) إمام من الزاهدين المتصوفين. انظره في المرجعين السابقين.
(٦) السابقان.
(٧) قاله السمين في الدر ٤ / ٥٤٢ والقرطبي في الجامع ١٥ / ٧١.
(٨) جوزه السمين والقرطبي مع الوجه السابق. وانفرد به الكشاف في ٣ / ٣٣٧.
(٩) البغوي والخازن ٦ / ٢٠.
(١٠) سقط من ب.
(١١) من الشاذات غير المتواترات. ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٢٧ كما ذكرها أبو حيان في البحر ٧ / ٣٥٥ والسمين في الدر المصون ٤ / ٥٤٢.
(١٢) زاد المسير ٧ / ٥١ ومعالم التنزيل ٦ / ٢٠.
(١٣) السابق. وقال ابن قتيبة : يقال سخر واستسخر كما يقال : قرّ واستقرّ. ومثله : عجب واستعجب.
الغريب ٣٧٠ والمجاز ٢ / ١٦٧.
(١٤) من السحر. ولم يحدد أبو حيان ومن بعده السمين من قرأ بها. البحر ٧ / ٣٥٥ والدر ٤ / ٥٤٢.