قوله : (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) جملة حالية العامل فيها الجملة القائمة مقامها «نعم» أي تبعثون(١) وأنتم صاغرون أذلّاء (٢). قال أبو حيان : وقرأ ابن وثّاب «نعم» بكسر العين (٣) وتقدم أن الكسائي قرأها كذلك حيث وقعت. وكلامه هنا موهم أن ابن وثاب منفرد بها (٤).
قوله تعالى : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ)(٢٦)
قوله : (فَإِنَّما هِيَ) قال الزمخشري : (فَإِنَّما هِيَ) جواب شرط مقدر تقديره إذا كان كذلك فما هي إلا زجرة واحدة (٥). قال أبو حيان : وكثيرا ما تضمّن جملة الشرط قبل فاء إذا ساغ تقديره ولا ضرورة تدعو إلى ذلك ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق (٦) عليه أنه جواب للأمر والنهي وما ذكر معهما ، أمّا ابتداء فلا يجوز حذفه (٧).
فصل
«هي» ضمير البعثة المدلول عليها بالسّياق لما كانت بعثتهم ناشئة عن الزجرة جعلت إياها مجازا ، قال الزّمخشريّ «هي» مبهمة يوضحها خبرها ، قال أبو حيان : وكثيرا ما يقول هو (٨) وابن مالك(٩): إن الضمير يفسره خبره (١٠). ووقف أبو حاتم على (يا وَيْلَنا) وجعل
__________________
(١) هو قول الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٣٨ والسمين في الدر ٤ / ٥٤٤.
(٢) قاله في اللسان دخر ١٣٤٠ وغريب القرآن ٣٧٠ ومجازه ٢ / ١٦٨.
(٣) البحر ٧ / ٣٥٥ والإتحاف ٣٦٨ والسمين ٤ / ٣٤٤.
(٤) المرجع السابق وقد وقعت في [الأعراف : ٤٤ ، ١١٤] ، [الشعراء : ٤٢] ، [الصافات : ١٨].
(٥) الكشاف ٣ / ٣٣٨.
(٦) في ب : ينطلق وما هنا في «أ» موافق لما قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٥٥ و ٣٥٦.
(٧) المرجع السابق هذا والمحذوف هو الشرط أو الجواب مع إن دون سائر الأدوات واختصت بذلك لأنها أم الباب ولأنه لم يرد في غيرها ولم يسمع أن حذف الجواب وحده والشرط وحده مع غير إن اللهم إلا ما أنشده ابن مالك في شرح الكافية :
متى تؤخذوا قسرا بظنّة عامر |
|
ولا ينج إلّا في الصّبا يزيد |
هذا ولا يجوز حذف الأداة وحدها ولو كانت «إن» وهناك من جوز ذلك ، بتصرف من الهمع ٢ / ٦٢ و ٦٣.
(٨) فقد قال في الكشاف عند [المؤمنون : ٣٧] : «هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه من بيانه ، ثم وضع «هي» موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبينها». الكشاف ٣ / ٣٢.
(٩) قال في التسهيل ص ٢٨ : «ضمير الشأن عند البصريين وضمير المجهول عند الكوفيين ولا يفسر إلا بجملة خبرية مصرح بجزئيها».
(١٠) البحر ٧ / ٣٥٦.