فصل
قال جعفر بن سليمان (١) : سمعت ثابتا (٢) يقول : كان داود نبي الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلّي(٣).
قوله : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) أي على سليمان ، قال أهل العلم : كان سليمان ـ عليهالسلام ـ يتحرز (٤) ببيت المقدس السّنة والسّنتين والشهر والشهرين ، وأقل من ذلك وأكثر يدخل فيه طعامه وشرابه فأدخله في المرة التي مات فيها وكان بدء ذلك أنه كان لا يصبح يوما إلا نبتت (٥) في محرابه ببيت المقدس شجرة فيسألها ما اسمك؟ فتقول اسمي كذا فيقول : لأن شيء أنت؟ فتقول : لكذا وكذا فيأمرها فتقطع فإن كانت تنبت (٦) لغرس غرسها وإن كانت لدواء كتبه حتى نبتت الخروبة فقال لها ما أنت؟ قالت الخرّوبة قال : لأي شيء نبتت (٧)؟ قالت : لخراب مسجدك فقال سليمان : ما كان الله ليجزيه وأنا حي أنت الذي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها في حائط له ثم قال : اللهمّ عمّ على الجنّ موتي حتى يعلم الناس أن الجن لا يعلمون الغيب وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من العيب أشياء ويعلمون ما في غد ، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه فمات قائما وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه فكانت الجن تعمل تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملونها في حياته وينظرون إلى سليمان فيرونه قائما متكئا على عصاه فيحسبونه حيا فلا ينكرون خروجه إلى الناس لطول صلاته فمكثوا يدأبون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان فخرّ ميتا فعلموا بموته (٨) ، قال ابن عباس : فشكرت الجن الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب فذلك قوله : (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) وهي الأرضة (٩)(تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) أي عصاه (١٠).
قوله : «تأكل» إما حال ، أو مستأنفة (١١) ، وقرأ ابن ذكوان منسأته ـ بهمزة (١٢) ساكنة
__________________
(١) هو جعفر بن سليمان الضّبعيّ أبو سليمان البصريّ عن ثابت والجعد مات سنة ١٧٨ ه انظر : خلاصة الكمال ٦٣.
(٢) ثابت بن أسلم البنانيّ أحد الأعلام مولاهم أبو محمد البصريّ عن ابن عمر ، وعبد الله بن مغفل له مائتين وخمسين حديثا مات سنة ١٢٧ انظر : خلاصة الكمال ٥٦.
(٣) البغوي والخازن ٥ / ٢٨٥.
(٤) كذا هي هنا وفي «ب» يتحرر وما في البغوي يتجرد وهو الأصح.
(٥) في «ب» ثبت.
(٦) تثبت في «ب» أيضا.
(٧) في «ب» والبغوي والخازن تنبت.
(٨ و ٩) انظر : تفسيري البغوي والخازن ٥ / ٢٨٥ و ٢٨٦.
(١٠) ذكره ابن قتيبة في غريب القرآن ٢٥٤ و ٣٥٥ وأبو عبيدة في المجاز ٢ / ١٤٥.
(١١) الدر المصون ٤ / ٤٢١.
(١٢) ذكرها ابن خالويه في المختصر ص ١٢١ عن ابن عامر في رواية.