قوله : «فرآه» عطف على «فاطّلع» (١). و (سَواءِ الْجَحِيمِ) وسطها (٢) ، وأحسن ما قيل فيه ما قاله ابن عباس سمي بذلك لاستواء المسافة منه إلى الجوانب (٣) ، وعن عيسى بن عمر أنه قال لأبي عبيدة (٤) : كنت أكتب حتى (٥) ينقطع سوائي (٦).
قوله : «تالله» قسم فيه تعجب (٧) ، و «إن» مخففة (٨) أو نافية (٩). واللام في «لتردين» فارقة أو بمعنى إلا. وعلى التقديرين فهي جواب القسم أعني إن وما في خبرها (١٠).
فصل
قال المفسرون : إنه ذهب إلى أطراف الجنة فاطلع عندها إلى النار فرآه في سواء الجحيم أي وسط الجحيم فقال له توبيخا : (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) أي والله لقد كدت أن تهلكني. وقال مقاتل : والله لقد كدت أن تغويني ومن أغوى إنسانا فقد أهلكه ، والرّدى (١١) الهلاك أي لتهلكني بدعائك إيّاي إلى إنكار البعث والقيامة. (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) أي رحمة ربي وإنعامه عليّ بالإسلام (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) معك في النار. ولما تمم الكلام مع قرينه الذي هو في النار عاد (١٢) إلى مخاطبة جلسائه من أهل الجنة وقال : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) قال بعضهم : إن أهل الجنة لا يعلمون في أول دخولهم الجنة أنهم لا يموتون فإذا جيء بالموت على صورة كبش أملح وذبح يقول أهل الجنة للملائكة : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ)؟ فتقول الملائكة : لا. فعند ذلك يعلمون أنهم لا يموتون. وعلى هذا فالكلام حصل قبل ذبح الموت (١٣). وقيل : إن الذي تكاملت سعادته إذا عظم تعجّبه بها يقول ذلك. والمعنى أهذا لي على جهة الحديث بنعمة الله عليه (١٤) ، وقيل : يقوله المؤمن لقرينه توبيخا له بما كان ينكره (١٥).
قوله : «بميّتين» قرأ زيد بن علي بمائتين (١٦) ، وهما مثل ضيّق ، وضائق كما
__________________
(١) السابق.
(٢) المجاز ٢ / ١٧٠.
(٣) البحر ٧ / ٣٦٢.
(٤) في ب : أبو عبيد تحريف.
(٥) في ب : عند.
(٦) المجاز السابق ٢ / ١١٧٠ وانظر الكشاف للزمخشري ٣ / ٣٤١ وانظر : اللسان (سوى) ١٢٦٣.
(٧) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٦٢.
(٨) من الثقيلة. وعليه فاسمها ضمير الشأن محذوف.
(٩) بمعني ما أي ما كدت.
(١٠) السمين ٤ / ٥٥٥.
(١١) المجاز ٢ / ١٧٠.
(١٢) في ب : دعا. وانظر : زاد المسير ٧ / ٦٠ والقرطبي ١٥ / ٨٣ ، ٨٤.
(١٣) ذكره الكلبي. وانظر : تفسير العلامة ابن الجوزي ٧ / ٦٠ ، ٦١.
(١٤) السابق.
(١٥) السابق. ونسب هذا القول إلى الثّعلبيّ.
(١٦) هذه القراءة نسبها أبو حيان في البحر ٧ / ٣٦٢ ولم ينسبها الزمخشري كعادته في الكشاف انظر : الكشاف ٣ / ٣٤١ وانظر : الدر المصون ٤ / ٥٥٦.