الحميم في موضع خارج عن الجحيم فهم يوردون (١) الحميم لأجل الشرب كما تورد الإبل إلى الماء ثم يردون(٢) إلى الجحيم ؛ ويدل عليه قوله : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [الرحمن : ٤٤] وقرأ ابن مسعود : «ثم إن (٣) مقيلهم لإلى الجحيم» (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا) وجدوا (آباءَهُمْ ضالِّينَ فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) ؛ قال الفراء : الإهراع الإسراع (٤) ، يقال : هرع وأهرع إذا استحث (٥). والمعنى أنهم يتبعون آباءهم اتباعا في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم. وقال الكلبي : يعملون مثل عملهم ، ثم إنه تعالى ذكر لرسوله ما يسليه في كفرهم وتكذيبهم فقال : (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) من الأمم الخالية.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ)(٧٤)
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) فبين تعالى أن إرساله الرسل قد تقدم والتكذيب لهم قد سلف فوجب أن يكون له ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أسوة بهم حتى يصبر كما صبروا ويستمر على الدعاء إلى الله وإن تمردوا فليس عليه إلا البلاغ. ثم قال : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) الكافرين أي كان عاقبتهم العذاب وهذا الخطاب وإن كان ظاهره مع الرسول ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ إلا أن المقصود منه خطاب الكفار لأنهم سمعوا بالأخبار ما جرى على قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من أنواع العذاب فإن لم يعلموا ذلك فلا أقل من ظنّ وخوف يحتمل أن يكون زاجرا لهم عن كفرهم (٦).
قوله : (إِلَّا عِبادَ اللهِ) استثناء من قوله : «المنذرين» استثناء منقطعا لأنه وعيد وهم لم يدخلوا (في) (٧) هذا الوعيد (٨) ، وقيل : استثناء من قوله : (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ)(٩).
__________________
(١) قال صاحب اللسان : الورد النصيب من الماء وأورده الماء جعله يرده ، والموردة مأتاة الماء ، وقيل : الجادة قال طرفة :
كأنّ علوب النّسع في دأباتها |
|
موارد من خلقاء في ظهر قردد |
وفي الحديث : اتقوا البراز في الموارد أي المجاري والطرق. وانظر : اللسان : «ورد» ٤٨١١.
(٢) كذا في النسختين وفي الرازي يوردون بالبناء للمجهول.
(٣) لم أجدها في الشواذ ولا المتواتر وفي الكشاف ثم إن منقلبهم ، ثم إن مصيرهم ، ثم إن منقذهم ، قراءات ٣ / ٣٤٣.
(٤) معاني القرآن ٢ / ٣٨٧.
(٥) اللسان : «ه ر ع» ٤٦٥٤ والغريب ٣٧٢ والقرطبي ١٥ / ٨٨ والمجاز ٢ / ١٧١.
(٦) انظر الرازي ٢٦ / ١٤٣ ، ١٤٤.
(٧) سقط من ب.
(٨) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٤٦٤ والسمين في الدر ٤ / ٥٥٨ والرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ١٤٣.
(٩) مع قوله : فانظر كيف كان عاقبة المنذرين فإنها كانت أقبح العواقب وأفظعها إلا عاقبة عباد الله المخلصين فإنها مقرونة بالخير والراحة. وقد قال بهذا الرازي ٢٦ / ١٤٤.