وهذا الذي قاله قول الكوفيين جعلوا الجملة في محل نصب مفعولا بتركنا لا أنه ضمن (١) معنى القول بل هو على معناه (٢) بخلاف الوجه (٣) قبله. وهذا أيضا من أقوالهم (٤) ، وقرأ عبد الله «سلاما» (٥) وهو مفعول به «بتركنا» (٦) و «كذلك» نعت مصدر (٧) أو حال من ضميره (٨). كما تقدم تحريره.
فصل
المعنى : سلام عليه في العالمين ، وقيل : تركنا عليه في الآخرين أن يصلّى عليه إلى يوم الدين(٩)(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي إنما خصّصنا نوحا ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ بهذه التشريفات الرفيعة من جعل الدنيا مملوءة من ذريته ومن تبقية (١٠) ذكره الحسن في ألسنة العالمين لأجل كونه محسنا ، ثم علل كونه محسنا بأنه كان عبدا مؤمنا (١١).
قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)(١٠٠)
القصة الثانية : قصة إبراهيم ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ
__________________
(١) في ب : يضمّن.
(٢) لم يتعرض أبو إسحاق الزجاج في كتابه إعراب القرآن ومعانيه لهذ القضية. ولقد نقل أبو جعفر النحاس في الإعراب ٣ / ٤٢٧ عن الكسائي كلاما حول هذه الآية قال : زعم الكسائي أن فيه تقديرين : أحدهما : وتركنا عليه في الآخرين يقال : سلام على نوح أي تركنا عليه هذا الثّناء قال: وهذا مذهب أبي العباس المبرد ، بينما قال الفراء في المعاني ٢ / ٣٨٧ ، ٣٨٨ يقول أبقينا له ثناء حسنا في الآخرين ويقال : تركنا علي في الآخرين سلام على نوح. أي تركنا عليه هذه الكلمة كما تقول : قرأت من القرآن (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فيكون في الجملة في معنى نصب ترفعها بالكلام كذلك : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) ترفعه بعلى وهو في تأويل نصلي. ولو كان : تركنا عليه سلاما كان صوابا. وقد سبق عن قريب رأي الزمخشري في الكشاف أنه موافق لرأيهم.
(٣) وهو تضمين تركنا معنى قلنا.
(٤) الدر ٤ / ٥٥٩.
(٥) البحر ٧ / ٣٦٤.
(٦) معاني الفراء ٢ / ٣٨٨ والتبيان ١٠٩٠.
(٧) السابق.
(٨) السمين ٤ / ٥٥٨.
(٩) في ب : إلى يوم القيامة.
(١٠) في ب : بقية.
(١١) الرازي ٢٦ / ١٤٥.