فصل
قال مقاتل والكلبيّ : المعنى أنه سليم من الشّرك ؛ لأنه أنكر على قومه الشّرك لقوله : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ). وقال الأصوليون : معناه أنه عاش ومات على طهارة القلب من كل معصية (١).
قوله : (إِذْ قالَ) بدل من «إذ» الأولى ، أو ظرف لسليم أي سلم عليه في وقت قوله كيت وكيت ، أو ظرف لجاء ، ذكره أبو البقاء (٢) ، وقوله : (ما ذا تَعْبُدُونَ) استفهام توبيخ وتهجين لتلك الطريقة وتقبيحها (٣).
قوله : «أئفكا» فيه أوجه :
أحدها : أنه مفعول من أجله ، أي أتريدون آلهة دون الله إفكا ، فآلهة مفعول به ، ودون ظرف «لتريدون» وقدمت معمولات الفعل اهتماما بها ، وحسّنه كون العامل رأس فاصلة ، وقدم المفعول من أجله على المفعول به اهتماما به لأنه مكافح لهم بأنهم على إفك وباطل ، وبهذا الوجه بدأ الزمخشري (٤).
الثاني : أن يكون مفعولا وتكون «آلهة» بدلا منه (٥) ، جعلها نفس الإفك مبالغة فأبدلها عنه وفسره بها (٦). ولم يذكر ابن عطيّة غيره (٧).
الثالث : أنه حال من فاعل «تريدون» أي تريدون آلهة أفكين أو ذوي إفك ، وإليه نحا الزمخشري (٨).
قال أبو حيان : وجعل المصدر حالا لا يطرد إلا مع أمّا نحو : أمّا علما فعالم (٩) ، والإفك أسوأ الكذب.
قوله : (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي أتظنون بربّ العالمين أنه جوز جعل هذه الجمادات مشاركة في المعبودية ، أو تظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى
__________________
(١) انظر الرازي ٢٦ / ١٤٦.
(٢) التبيان ١٠٩١ وانظر : الدر المصون ٤ / ٥٥٩.
(٣) قاله الإمام الفخر الرّازي في تفسيره ٢٦ / ١٤٦.
(٤) انظر هذا في الزمخشري في كشافه ٣ / ٣٤٤ والتبيان لأبي البقاء ١٠٩١ والدّر للسمين ٤ / ٥٥٩ والبحر ٧ / ٣٦٥.
(٥) ذكره أبو حيان في البحر عن ابن عطية ٧ / ٣٦٥ والسمين في الدر وابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٠٦ ومكي في مشكل الإعراب ٢ / ٢٣٨ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٤٣ ، ٣٤٤.
(٦) السمين ٤ / ٥٥٩ ، و ٥٦٠.
(٧) المرجع السابق وهو البحر المحيط.
(٨) الكشاف ٣ / ٣٤٤ وانظر : البحر أيضا المرجع السابق.
(٩) السابق.