بالحلم ، وأيّ حلم أعظم من أنه عرض عليه أبوه الذبح فقال (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)؟!.
قوله : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ) (معه) (١) متعلق بمحذوف على سبيل البيان كأن قائلا قال : مع (من) (٢) بلغ السعي؟ فقيل : مع أبيه ولا يجوز تعلقه «ببلغ» ؛ لأنه يقتضي بلوغهما معا حدّ السعي ، ولا يجوز تعلقه بالسعي لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه ، فتعين ما تقدم. قال معناه الزمخشري (٣) ومن يتسع في الظرف يجوز تعلقه بالسّعي (٤).
فصل
قال ابن عباس وقتادة : معنى بلغ السعي أي المشي معه إلى الجبل (٥) ، قال مجاهد عن ابن عباس: لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم (٦) والمعنى أن ينصرف معه ويعينه في عمله (٧) ، قال الكلبي: يعني العمل لله. وهو قول الحسن (٨) ؛ ومقاتل وابن حبان وابن زيد قالوا : هو العبادة (٩) ، واختلفوا في سنه ، فقيل : كان ابن ثلاث عشرة سنة (١٠) ، وقيل : كان ابن سبع سنين.
قوله : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) قال المفسرون : لما بشّر إبراهيم ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ بالولد قبل أن يولد له فقال : هو إذن لله ذبيح ، فقيل لإبراهيم : قد نذرت نذرا فأوف بنذرك فلما أصبح قال يا بنيّ : إن أرى في المنام أنّي أذبحك ، وقيل : رأى في ليلة التروية في منامه كأن قائلا يقول : إن الله يأمرك بذبح ابنك ، فلما أصبح تروى في ذلك من الصباح إلى الرّواح ، أمن الله أو من الشيطان؟ فلذا سمي يوم التروية ، فلما رأى ذلك أيضا عرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عرفة ، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهمّ بالنحر فسمي يوم النحر. وهو قول أكثر المفسرين. وهذا يدل على أنه رأى في المنام ما يوجب أن يذبح ابنه في اليقظة ، وعلى هذا فتقدير اللفظ أرى في المنام ما يوجب أنّي أذبحك(١١).
فصل
اختلفوا في الذبيح ، فقيل : إسحاق. وهو قول عمر ، وعليّ ، وابن مسعود ،
__________________
(١ و ٢) ما بين الأقواس سقط من ب.
(٣) قاله في الكشاف ٣ / ٣٤٧ وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٦٩ والدر المصون ٤ / ٥٦٢ ، و ٥٦٣.
(٤) المرجع الأخير السابق.
(٥) زاد المسير ٧ / ٧٢.
(٦) القرطبي ١٥ / ٩٩.
(٧) غريب القرآن ٣٧٣ وتأويل المشكل ٣٩٠ والقرطبي المرجع السابق.
(٨) البغوي ٦ / ٢٦ ، ٢٧.
(٩) زاد المسير ٧ / ٧٢.
(١٠) وهو قول الكلبي المرجع السابق والفراء في المعاني ٢ / ٣٨٩.
(١١) انظر : البحر المحيط ٧ / ٣٦٩ والقرطبي ١٥ / ١٠٢ وهذا الرأي نسب للسدي وغيره.