والطاعة ثم إن السيد إذا علم منه توطين نفسه على الطاعة فقد يزيل (الألم عنه) (١) بذلك التكليف فكذا ههنا.
فصل
احتجوا بهذه الآية على أنه تعالى قد يأمر بما لا يريد وقوعه ، لأنه تعالى لو أراد وقوعه لوقع الذبح لا محالة.
فصل في الحكمة في ورود هذا التكليف في النوم لا في اليقظة (٢)
وذلك من وجوه :
الأول : أن هذا التكليف في نهاية المشقة على الذابح والمذبوح فورد أولا في النوم حتي يصير ذلك كالمفيد (٣) لورود هذا التكليف الشاقّ ، ثم يتأكد ذلك بأحوال اليقظة لكيلا يهجم هذا التكليف الشاقّ على النفس دفعة واحدة بل على التدريج.
الثاني : أن الله تعالى جعل رؤيا الأنبياء ـ عليهم (الصلاة و) السلام ـ حقا ، قال تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) [الفتح : ٢٧] وقال عن يوسف : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] وقول إبراهيم : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ). والمقصود من هذا تقوية الدلالة على كونهم صادقين فإذا تظاهرت الحالتان على الصدق دل ذلك على نهاية كونهم محقين في كل الأحوال (٤).
فصل
والحكمة في مشاورة الابن في هذا الأمر ليظهر له صبره في طاعة الله فيكون فيه قوة عين لإبراهيم حيث يراه قد بلغ في الحكمة إلى هذا الحدّ العظيم في الصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالية ويحصل للابن الثواب العظيم في الآخرة والثناء الحسن في الدّنيا (٥).
قوله : (فَلَمَّا أَسْلَما) في جوابها ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه محذوف أي ذادته الملائكة أو ظهر صبرهما ، أو أجزلنا لهما أجرهما (٦) ، وقدره بعضهم : بعد الرؤيا ؛ أي كان ما كان مما ينطق به الحال والوصف مما لا يدرك كنهه (٧) ، ونقل ابن عطية: أن التقدير فلما أسلما أسلما (٨) وتلّه كقوله :
__________________
(١) تكملة من الرازي فقد سقطت من ب.
(٢) انظر كل هذا في التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي ٢٦ / ١٥٥ ، ١٥٦.
(٣) في الرازي كالمنبه.
(٤) الرازي ٢٦ / ١٥٦.
(٥) المرجع السابق.
(٦) قاله مكي في مشكله ٢ / ٢٤٠ وصاحب التبيان ١٠٩٢ والبيان ٢ / ٣٠٧ والسمين ٤ / ٥٦٣.
(٧) هذا هو تقدير الزمخشري في الكشاف من كلام قاله فيه هذا معظمه. الكشاف ٣ / ٣٤٨.
(٨) البحر ٧ / ٣٧٠.