و «الجبين» ما انكشف من الجبهة من هنا ومن هنا ، وشذ جمعه على أجبن ، وقياسه في القلة أجبنة كأرغفة وفي الكثرة جبن وجبنان كرغيف ورغف ورغفان (١).
فصل
المعنى سلم لأمر الله ، وأسلم واستسلم بمعنى واحد أي انقاد وخضع. والمعنى أخلص نفسه لله وجعلها سالمة خالصة وكذلك استسلم استخلص نفسه لله ، وعن قتادة في أسلما : أسلم هذا ابنه ، وهذا نفسه (٢) ، وقوله : «وتلّه للجبين» أي صرعه على شقّه فوقع أحد جبينيه للأرض وللوجه جبينان والجبهة بينهما. قال ابن الأعرابي : التّليل والمتلول المصروع والمتلّ الذي يتلّ به أي يصرع (٣) ، والمعنى أنه صرعه على جبينه. وقال مقاتل : كبه على جبهته وهذا خطأ لأن الجبين غير الجبهة (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا).
فإن قيل : لم قال : صدّقت الرؤيا وكان قد رأى الذي لم يذبح؟ قيل : جعله مصدقا لأنه قد أتى بما أمكنه والمطلوب إسلامهما لأمر الله وقد فعلا. وقيل : قد كان رأى في النوم مصالحة ولم ير إراقة دم وقد فعل في اليقظة ما رأى في النوم ولذلك قال : قد صدقت الرؤيا ، قال المحققون : السبب في هذا التكليف كمال طاعة إبراهيم لتكاليف الله فلما كلّفه هذا التكليف الشاقّ الشديد وظهر منه كمال الطاعة وظهر من ولده كمال الطاعة والانقياد لا جرم قال الله تعالى : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) ، وقوله : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ابتداء إخبار من الله تعالى والمعنى إنا كما عفونا عن ذبح ولده كذلك نجزي من أحسن في طاعتنا (٤) قال مقاتل : جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ولده (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) الاختبار (٥) البيّن الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم أو المحنة البينة الصعوبة التي لا محنة أصعب منها ، وقال مقاتل (٦) : البلاء ههنا النّعمة وهو أن فدى ابنه بالكبش ، وقوله : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) الذّبح مصدر ذبحت والذّبح أيضا ما يذبح. وهو المراد في هذه الآية (٧). وسمي عظيما لسمنه (٨) وعظمه ، وقال سعيد بن جبير : حق
__________________
(١) وانظر في هذا غريب القرآن ٣٧٣ ومجازه ٢ / ١٧١ ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣١١ للزجاج ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٩٠ ، وانظر أيضا اللسان : «ت ل ل» و «ج ب ن».
(٢) وانظر : القرطبي ١٥ / ١٠٤ والدر المصون ٤ / ٥٦٣ ، ٥٦٤.
(٣) اللسان : «ت ل ل» ٤٤١ والرازي ٢٦ / ١٥٧ ونوادر ابن الأعرابيّ «ت ل ل».
(٤) انظر : تفسير إمامنا فخر الدين الرازي ٢٦ / ١٥٧ ، ١٥٨.
(٥) المرجع السابق.
(٦) قاله أبو الفرج ابن الجوزي في زاد المسير ٧ / ٧٧.
(٧) السابق. وانظر أيضا القرطبي ١٥ / ١٠٧ ، وبكسر الذال اسم ما ذبح. وانظر : غريب القرآن ٣٧٤ والمجاز ٢ / ١٧٣.
(٨) قاله الماوردي.