أحدهما : أن هذا اليقطين لم يكن فأنبته الله لأجله ، والآخر : أن اليقطين مغروس ليحصل له ظل ، ولو كان منبسطا على الأرض لم يمكن أن يستظل به (١). وقال مقاتل بن حيّان : كان (٢) يونس يستظلّ بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشيّا حتى اشتد لحمه ونبت شعره.
وقال ههنا : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ) وقال في موضع آخر : (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) [القلم : ٤٩] ولكنه تداركه النعمة فنبذه وهو غير مذموم.
فصل
قال شهاب الدين : ولو بنيت من الوعد مثل يقطين لقلت : يوعيد ، لا يقال بحذف الواو لوقوعها بين ياء وكسرة كيعد مضارع «وعد» لأن شرط تلك الياء أن تكون للمضارعة ، وهذه مما يمتحن بها أهل التصريف بعضهم بعضا (٣).
قوله : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) يحتمل أن يكون المراد : «وأرسلناه قبل ملتقمه» ؛ وعلى هذا فالإرسال وإن ذكر بعد الالتقام فالمراد به التقديم. والواو معناها الجمع ويحتمل أن يكون المراد به الإرسال بعد الالتقام قال ابن عباس : كان إرسال يونس بعد ما نبذه الحوت وعلى هذا التقدير يجوز أنه أرسل إلى قوم آخرين سوى القوم الأول ويجوز أن يكون أرسل إلى الأولين (٤) بشريعة فآمنوابها(٥).
قوله : (أَوْ يَزِيدُونَ) في «أو» هذه سبعة أوجه تقدم تحقيقها أول البقرة عند قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ١٩] فالشك بالنسبة إلى المخاطبين أي أن الرّائي يشك عند رؤيتهم (٦) ، والإبهام بالنسبة إلى الله تعالى أبهم أمرهم (٧) والإباحة أي أن الناظر إليهم يباح له أن يحذرهم بهذا القدر أو بهذا القدر (٨) وكذا التخيير أي هو مخير بين أن يحذرهم كذا أو كذا (٩) ، والإضراب (١٠) ومعنى الواو (١١) واضحان.
__________________
(١) انظر : تفسير الرازي ٢٦ / ١٦٦.
(٢) قاله الإمام البغوي ٦ / ٤٧.
(٣) قاله شهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٥٧١.
(٤) في الرازي إلى الأولين ثانيا.
(٥) وانظر : تفسير الإمام الرازي ٢٦ / ١٦٦.
(٦) وبه قال أهل البصرة انظر : خصائص ابن جني ٢ / ٤٦١ والبيان ٢ / ٣٠٨ وانظر في هذا الوجه مشكل الإعراب ٢ / ٢٤٣.
(٧) انظر : البحر المحيط ٧ / ٣٧٦.
(٨) الدر المصون ٤ / ٥٧٢.
(٩) مشكل الإعراب ٢ / ٢٤٣ والمرجع السابق وكذلك البيان ٢ / ٣٠٨ وهو رأي للبصريين.
(١٠) وهو قول الكوفيين انظر : معاني الفراء ٢ / ٣٩٣ ، وحكاه أبو حيان في البحر عن الإمام ابن عباس انظر البحر أيضا ٧ / ٣٧٦ أي بكل يزيدون وهو إضراب انتقالي.
(١١) وبهذا المعنى قرأ جعفر بن محمد. انظر المحتسب ٢ / ٢٢٦ والكشاف ٣ / ١٣٥٤ والمجاز ٢ / ١٧٥.