قوله : (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) قال قتادة أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل الالتقام كما تقدم ، وقيل : بعده ، وقيل : إلى قوم آخرين. وتقدم الكلام على «أو». قال ابن عباس : إنها بمعنى الواو ، وقال مقاتل والكلبي : بمعنى بل ، وقال الزجاج : على الأصل بالنسبة للمخاطبين (١). واختلفوا في مبلغ الزيادة ، قال ابن عباس ومقاتل : كانوا عشرين ألفا. ورواه أبي بن كعب عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقال الحسن : بضعا وثلاثين ألفا ، وقال سعيد بن جبير : تسعين ألفا فآمنوا يعني الذين أرسل إليهم يونس بعد معاينة العذاب فآمنوا فمتعناهم إلى حين انقضاء آجالهم (٢).
قوله تعالى : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ)(١٦٠)
قوله : «فاستفتهم» قال الزمخشري : معطوف على مثله في أول السورة وإن تباعدت (٣). قال أبو حيان : وإذا كان قد عدوا الفصل بنحو : كل لحما ، واضرب زيدا أو خبزا من أقبح التّر (ا) كيب (٤) فكيف بجمل كثيرة وقصص متباينة (٥)؟ قال شهاب الدين : ولقائل أن يقول : إن الفصل وإن كثر بين الجمل المتعاطفة مغتفر ، وأما المثال الذي ذكره فمن قبيل المفردات ، ألا ترى كيف عطفت خبزا على لحما (٦) ، فعلى الأول أنه تعالى لما ذكر أقاصيص الأنبياء ـ عليهم (الصلاة و) السلام ـ عاد إلى شرح مذاهب المشركين وبيان قبحها ومن جملة أقوالهم الباطلة أنهم أثبتوا الأولاد لله تعالى ثم زعموا أنها من جنس الإناث لا من جنس الذكور فقال «فاستفتهم» باستفتاء قريش عن وجه الإنكار للبعث أولا ثم ساق الكلام موصولا بعضه ببعض إلى أن أمرهم بأن يستفتيهم في أنهم لم أثبتوا لله سبحانه البنات ولهم البنين(٧)؟
ونقل الواحديّ عن المفسرين أنهم قالوا : إنّ قريشا وأجناس العرب جهينة وبني سلمة وخزاعة وبني مليح ، قالوا الملائكة بنات الله (٨). وهذا الكلام يشتمل (٩) على أمرين :
__________________
(١) انظر : معاني الزجاج ٤ / ٣١٤.
(٢) انظر : زاد المسير لابن الجوزي في كل هذه الأقوال ٧ / ٩٠.
(٣) الكشاف ٣ / ٣٥٤.
(٤) الألف ناقصة من ب ، ففيها التركيب.
(٥) البحر ٧ / ٣٧٦.
(٦) الدر المصون ٤ / ٥٧٣.
(٧) قاله الرازي في تفسيره ٢٦ / ٦٧.
(٨) الرازي ٢٦ / ٦٧ و ١٦٨.
(٩) وانظر هذا كله في المرجع السابق.