وشيبة والأعمش بهمزة وصل تثبت ابتداء وتسقط درجا (١). وفيه وجهان :
أحدهما : أنه على نية الاستفهام ، وإنما حذف للعلم به ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :
٤٢٢٦ ـ قالوا : تحبّها قلت : بهرا |
|
عدد الرّمل والحصى والتّراب (٢) |
أي أتحبها.
والثاني : أن هذه الجملة بدل من الجملة المحكية بالقول وهي : «ولد الله» أي تقولون كذا وتقولون اصطفى هذا الجنس على هذا الجنس (٣).
(قال الزمخشري (٤) : وقد قرأ بها حمزة والأعمش. وهذه القراءة وإن كان هذا محلها فهي ضعيفة والذي أضعفها) أن هذه الجملة قد اكتنفها (٥) الإنكار من جانبيها وذلك قوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) فمن جعلها للإثبات فقد أوقعها دخيلة بين نسبتين (٦) ؛ لأن (٧) لها مناسبة ظاهرة مع قولهم : «ولد الله» وأما قولهم : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فهي جملة اعتراض بين مقالة الكفرة جاءت للتشديد والتأكيد في كون مقالتهم تلك هي من إفكهم (٨) ، ونقل أبو البقاء أنه قرىء «آصطفى» بالمد قال : وهو بعيد جدا (٩).
قوله : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) جملتان استفهاميتان ليس لإحداهما تعلق بالأخرى من حيث الإعراب استفهم أولا عما استقر لهم وثبت استفهام إنكار ، وثانيا استفهام تعجب من حكمهم بهذا الحكم الجائر وهو أنهم نسبوا أحسن الجنسين إليهم (١٠). والمعنى : ما لكم كيف تحكمون لله بالبنات ولكم بالبنين؟ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تتعظون (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) برهان بين على أن الله ولد (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ) الذي لكم فيه حجة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم.
__________________
(١) من القراءة المتواترة انظر : السبعة ٥٤٩ ومختصر ابن خالويه ١٢٨ ومعاني الفراء ٢ / ٢٩٤.
(٢) من الخفيف له من قصيدة في الثريا بنت عبد الله لما هجرته. وبهرا معناه جمّا كثيرا. واستشهد بالبيت على حذف الاستفهام للعلم به والأصل كما قدره : أتحبها. وانظر : الكتاب ١ / ٣١١ والخصائص ٢ / ٢٨١ وابن يعيش ٢ / ٢٢١ ومغني اللبيب ١٥ والتبيان ١٠٩٤ واللسان : «ب ه ر» ٣٧٠ والدر المصون ٤ / ٥٧٣ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٣٩.
(٣) قاله في الدر المصون ٤ / ٥٧٣.
(٤) ما بين القوسين كله ساقط من ب.
(٥) أي أحاط بها قال في اللسان : وتكنّف الشيء واكتنفه صار حواليه وتكنفوه من كل جانب احتوشوه.
اللسان : «ك ن ف» ٣٩٤١.
(٦) الكشاف للزمخشري ٤ / ٣٥٤ و ٣٥٥.
(٧) الواقع أن هذا كلام أبي حيان في البحر. وقبله : «وليست دخيلة بين نسبتين لأن لها مناسبة ظاهرة الخ ...».
(٨) وانظر البحر له ٧ / ٣٧٧.
(٩) التبيان له ١٠٩٤.
(١٠) انظر : الدر المصون ٤ / ٥٧٣.