قوله : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) قال مجاهد وقتادة : أراد بالجنة الملائكة سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار (١).
وقال ابن عباس : جنس من الملائكة يقال لهم الجن منهم إبليس (٢) ، وقيل : إنهم خزّان الجنة (٣) ، قال ابن الخطيب : وهذا القول عندي مشكل ؛ لأنه تعالى أبطل قولهم : الملائكة بنات الله ، ثم عطف عليه قوله : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) والعطف يقتضي كون المعطوف مقابلا بمعطوف عليه فوجب أن يكون المراد من الآية غير ما تقدم (٤)
وقال مجاهد : قالت كفار قريش الملائكة بنات الله فقال لهم أبو بكر الصديق : فمن أمهاتهم؟ قالوا : سروات (٥) الجنّ (٦) وهذا أيضا بعد لأن المصاهرة لا تسمّى نسبا (٧).
قال ابن الخطيب : وقد روينا في تفسير قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) [الأنعام : ١٠٠] أن قوما من الزّنادقة يقولون : إن الله وإبليس أخوان فالله هو الحرّ الكريم وإبليس هو الأخ الشديد ، فقوله تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) المراد منه هذا المذهب. وهذا القول عندي هو أقرب الأقاويل. وهو مذهب المجوس القائلين بيزدان وأهرمن (٨) ، ثم قال : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أي علمت الجنة أنّ الذين قالوا هذا القول محضرون النار ومعذبون. وقيل : المراد ولقد علمت الجنة أنهم سيحضرون في العذاب. فعلى (القول) (٩) الأول : الضمير عائد إلى قائل هذا القول وعلى (القول) الثّاني عائد إلى نفس الجنّة ، ثم إنه تعالى نزّه نفسه عما قالوا من الكذب فقال (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ)(١٠). قوله : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) في هذا الاستثناء وجوه :
أحدهما : أنه مستثنى منقطع والمستثنى منه إما فاعل «جعلوا» (١١) أي جعلوا بينه وبين الجنة نسبا إلى عباد الله.
الثاني : أنه فاعل «يصفون» (١٢) أي لكن عباد الله يصفونه بما يليق به تعالى.
الثالث : أنه ضمير «محضرون» (١٣) أي لكن عباد الله ناجون. وعلى هذا فتكون
__________________
(١) زاد المسير ٧ / ٩١.
(٢) انظر : زاد المسير ٧ / ٩١ والقرطبي ١٥ / ١٣٤.
(٣) المرجع السابق والرازي ٢٦ / ١٦٧.
(٤) المرجع السابق.
(٥) جمع مفرده سراة من السّرى ، وهو السير ليلا.
(٦) وانظر : المرجع السابق والقرطبي ١٥ / ١٣٤.
(٧) الرازي السابق.
(٨) يزدان وإهرمن أي الشر والخير أو النور والظلمة. وهذا المذهب هو المذهب المعروف بالمانوية نسبة إلى ماني أول من قال به. وهو باطل لما فيه من الإشراك بالله.
(٩) زيادة لتوضيح السياق.
(١٠) انظر : الرازي ٢٦ / ١٦٨ و ١٦٩.
(١١) التبيان ١٠٩٤ والدر المصون ٤ / ٥٧٣.
(١٢) المرجع الأخير السابق وانظر كشاف الزمخشري ٣ / ٣٥٥.
(١٣) السابق والتبيان ١٠٩٤ والدر ٤ / ٥٧٣.