جملة التسبيح معترضة (١). وظاهر كلام أبي البقاء أنه يجوز أن يكون استثناء متصلا لأنه قال : مستثنى من «جعلوا» أو «محضرون». ويجوز أن يكون منفصلا (٢). وظاهر هذه العبارة أن الوجهين الأولين هو فيهما متصل لا منفصل. وليس ببعيد كأنه قيل : وجعل الناس ، ثم استثنى منهم هؤلاء وكل من لم يجعل بين الله وبين الجنة نسبا فهو عند الله مخلص من الشّرك (٣).
قوله تعالى : (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(١٧٠)
قوله : (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) في المعطوف وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على اسم «إنّ» (٤) «وما» نافية (٥) و «أنتم» اسمها (٦) أو مبتدأ (٧). و «أنتم» فيه تغليب المخاطب على الغائب إذ الأصل فإنّكم ومعبودكم ما أنتم وهو ؛ فغلب الخطاب (و) (٨) «عليه» متعلق بقوله «بفاتنين» والضمير عائد على (ما تَعْبُدُونَ) بتقدير حذف مضاف وضمن «فاتنين» معنى حاملين على عبادته إلا الذي سبق في علمه أنّه من أهل صلي الجحيم و «من»(٩) مفعول بفاتنين. والاستثناء مفرغ (١٠).
الثاني (١١) : أنه مفعول معه وعلى هذا فيحسن السكوت على تعبدون كما يحسن في قولك : إنّ كلّ رجل وضيعته (١٢). (وحكى الكسائي (١٣) : إنّ كلّ ثوب وثمنه ، والمعنى إنكم مع معبودكم مقرنون) كما تقدر ذلك في كل رجل وضيعته مقترنان (١٤). وقوله : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) مستأنف أي ما أنتم على ما تعبدون بفاتنين أو بحاملين على الفتنة ، «إلا من هو ضال» مثلكم ، قاله الزمخشري (١٥) ، إلا أن أبا البقاء ضعف (١٦) الثاني وتابعه أبو
__________________
(١) الكشاف المرجع السابق.
(٢) التبيان ١٠٩٤.
(٣) الدر المصون ٤ / ٥٧٤.
(٤) وهو الكاف.
(٥) من قوله : «ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ».
(٦) إذا اعتبرناها حجازية عاملة.
(٧) إذا اعتبرناها تميميّة ، لا تعمل ومهملة.
(٨) سقط من ب حرف الواو.
(٩) من قوله : «إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ».
(١٠) وانظر هذا بالمعنى من بحر أبي حيان ٧ / ٣٧٨ وانظره لفظا من الدر المصون ٤ / ٥٧٤.
(١١) من الوجهين الجائزين في : «وَما تَعْبُدُونَ».
(١٢) انظر : الكشاف ٣ / ٣٥٥.
(١٣) ما بين القوسين ساقط من ب.
(١٤) المرجع السابق.
(١٥) السابق.
(١٦) قال : «ويضعف أن يكون (أي الواو) بمعنى مع إذ لا فعل هنا» ١٠٩٤.