فصل
قال المفسرون : المعنى «فإنكم» تقولون لأهل مكة (وَما تَعْبُدُونَ) من الأصنام (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) ما تعبدون «بفاتنين» بمضلّين أحدا إلا من هو صال الجحيم أي من قدّر الله أنه سيدخل النار ، ومن سبق له في علم الله الشقاوة ، واعلم أنه لما ذكر الدلائل على فساد مذاهب الكفار أتبعه بما ينبه على أن هؤلاء الكفار لا يقدرون على إضلال أحد إلا إذا كان قد سبق حكم الله في حقه بالعذاب والوقوع في النار. وقد احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه لا تأثير لإيحاء الشيطان ووسوسته وإنما المؤثر قضاء الله وقدره.
قوله : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) فيه وجهان :
أحدهما : أن «منا» صفة لموصوف محذوف فهو مبتدأ والخبر الجملة من قوله : (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) تقديره : ما أحد منّا إلّا له مقام (١) ، وحذف المبتدأ مع «من» جيّد فصيح.
والثاني : أن المبتدأ محذوف أيضا و (إِلَّا لَهُ مَقامٌ) صفة حذف موصوفها والخبر على هذا هو الجار المتقدم والتقدير : «وما منا أحد إلا له مقام» (٢). قال الزمخشري : حذف الموصوف وأقام الصّفة مقامه كقوله :
٤٢٢٨ ـ أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا |
|
..........(٣) |
وقوله :
٤٢٢٩ ـ يرمي بكفّي كان من أرمى البشر (٤)
ورده أبو حيان فقال : «ليس هذا من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، لأن
__________________
(١) هذا تقدير العلامة أبي حيان في البحر ٧ / ٣٧٩ وانظر : البيان ٢ / ٣١٠ ، والدر المصون ٤ / ٥٧٦ وعزاه ابن الأنباري في البيان للبصرة ونفس التقدير ذهب إليه أبو إسحاق في المعاني لكن بتقدير مختلف للمضمر قال : «وما منّا ملك» المعاني ٤ / ٣١٦ ، وانظر : التبيان ١٠٩٥ ، ومشكل الإعراب لمكي ٢ / ٢٤٤.
(٢) هذا قول جار الله في الكشاف كما أخبر هو بعد. انظر : الكشاف ٣ / ٣٥٦.
(٣) من الوافر لسحيم بن وثيل عجزه :
.......... |
|
متى أضع العمامة تعرفوني |
انظر : الكتاب ٣ / ٢٠٧ ، ومجالس ثعلب ١٧٦ ، وأمالي القالي ١ / ٢٤٦ ، وابن يعيش ١ / ٦١ و ٣ / ٦٢ و ٤ / ١٠٥ ، ومعاهد التنصيص ١ / ١١٤ ، والتصريح ٢ / ٢٢١ ، والأصمعيات ٦١ ، والأشموني ٣ / ٢٦٠ ، وحاشية يس ٢ / ١٢ ، وانظر أيضا الخزانة ١ / ٢٥٥ و ٢٦٨ و ٥ / ٦٤ ، والمغني ١٦٠ و ٣٣٤ ، والحماسة البصرية ١ / ٣٢٥ ، وديوانه ١٣٣ ، والهمع ١ / ٣٠ و ٢ / ١٢٠.
(٤) شطر من الرجز وروايته المشهورة : جادت بكفي كان من أرمى البشر. وهو مجهول القائل وتروى (من) مكسورة الميم ومفتوحة على أنها موصولة وكان زائدة أو على أنها نكرة موصوفة وشاهده : حذف الموصوف وحلول الصفة محله أي يكفي رجل كان وعده أبو حيان من أقبح الضرائر النحوية.