المحذوف مبتدأ و (إِلَّا لَهُ مَقامٌ) خبره ولأنه لا ينعقد كلام من قوله : «وما منا أحد» ، وقوله : (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) محط الفائدة وإن تخيل أن (لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) في موضع الصفة فقد نصّوا على أنّ «إلّا» لا تكون صفة إذا حذف موصوفها وأنها فارقت «غيرا» إذا كانت صفة في ذلك لتمكّن «غير» في الوصف (١) وعدم تمكن «إلّا» فيه ؛ وجعل ذلك كقوله : «أنا ابن جلا» أي أنا ابن رجل جلا ، و «بكفّي كان» أي رجل كان فقد عده النّحويّون من أقبح الضرائر ، حيث حذف الموصوف والصفة جملة لم يتقدمها من (٢) ، بخلاف قوله :
٤٢٣٠ ـ «منّا ظعن ومنّا أقام» (٣)
يريدون : منّا فريق ظعن ، ومنا فريق أقام ، وقد تقدم نحو من هذا في النّساء عند قوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) [النساء : ١٥٩].
وهذا الكلام وما بعده ظاهره أنه من كلام الملائكة ، وقيل : من كلام الرّسول صلىاللهعليهوسلم (٤).
فصل
قال المفسرون : يقول جبريل للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «وما منا معشر الملائكة إلا له مقام معلوم» أي ما منا ملك إلا له مقام معلوم في السموات يعبد الله فيه (٥). قال ابن عباس : «ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبّح» (٦) ، وقال ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : «أطّت السّماء وحقّ لها أن تئطّ ، والّذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلّا وفيه ملك واضع جبهته ساجد لله» (٧). وقال السّدّيّ : إلّا له مقام معلوم في القربة والمشاهدة (٨).
قوله : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) مفعول «الصافون والمسبحون» يجوز أن يكون مرادا أي الصافون أقدامنا وأجنحتنا ، والمسبّحون الله تعالى ، وأن لا يراد البتة أي نحن من أهل هذا الفعل (٩).
__________________
(١) قال الإمام السيوطي في الهمع ١ / ٢٢٩ : الأصل في إلا أن تكون للاستثناء ، وفي غير أن تكون وصفا ثم قد تحمل إحداهما على الأخرى فيوصف بإلا يعنون بذلك عطف البيان ... ومن شروط الوصف بإلا ألّا يحذف موصوفها بخلاف غير فلا يقال جاءني إلا زيد ، ويقال : جاءني غير زيد.
(٢) وانظر : الهمع أيضا ٢ / ١٢٠ وشرط ابن مالك فيما نقله عنه السيوطي أيضا (في) كمن وجعل ابن عصفور في من الضرائر.
(٣) هذا قول من أقوالهم انظر : الهمع ٢ / ١٢٠ والبحر ٧ / ٣٧٩ والسمين ٤ / ٥٧٧ أي منا قوم أو ناس.
(٤) ذكر هذين القولين السمين في الدر ٤ / ٥٧٧.
(٥) قاله الخازن في لباب التأويل ٦ / ٣٩.
(٦) السابق.
(٧) أخرجه البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٣٩ عن أبي ذرّ.
(٨) المرجع السابق.
(٩) معنى كلام الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٥٦ ، وانظر : السمين ٤ / ٥٧٧ ، ٥٧٨.