وساح فلان في الأرض مرّ مرّ السائح. ورجل سائح وسيّاح (١) انتهى. ويحتمل أن يكون لها مادّتان لكن كان ينبغي أن يذكر ما هي الأشهر أو يذكرهما معا.
قوله تعالى : (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) يعني العذاب بساحتهم ، قال مقاتل : بحضرتهم. وقيل : بعتابهم.
قال الفراء : العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم (٢)(فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) فبئس صباح الكافرين الذين أنذروا بالعذاب. لما خرج ـ عليه (الصّلاة و) السلام ـ إلى خيبر أتاها ليلا ، وكان إذا جاء قوما بليل لم يغز حتى يصبح فلما أصبح خرجت يهود (خيبر) (٣) بمساحيها ومكاتلها ، فلما رأوه قالوا : محمّد والله محمّد والخميس فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الله أكبر خربت خيبر إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» (٤).
قوله : (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ).
قيل : المراد من هذه الكلمة فيما تقدم أحوال الدنيا وفي هذه الكلمة أحوال القيامة وعلى التقديرين فالتكرير زائل ، وقيل : المراد من التكرير المبالغة في التّهديد والتّهويل (٥).
فإن قيل : ما الحكمة في قوله أولا : (وَأَبْصارِهِمْ). وههنا قال : (وَأَبْصِرْ) بغير ضمير؟.
فالجواب أنه حذف مفعول «أبصر» الثاني إمّا اختصارا لدلالة الأولى عليه وإما اقتصارا تفنّنا في البلاغة (٦). ثمّ إنّه تعالى ختم السورة بتنزيه نفسه عن كل ما لا يليق بصفات الإلهيّة فقال : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) أي الغلبة والقوة ، أضاف الربّ إلى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل : ذو العزّة ، كما تقول : صاحب صدق لاختصاصه به. وقيل : المراد بالعزة المخلوقة الكائنة بين خلقه (٧).
ويترتب على القولين مسألة اليمين (٨).
فصل
قوله : (رَبِّ الْعِزَّةِ) الربوبية إشارة إلى كمال الحكمة والرحمة والعزة إشارة إلى كمال القدرة ، فقوله (رَبِّ الْعِزَّةِ) يدل على أنه القادر على جميع الحوادث ، لأن الألف
__________________
(١) انظر : مفردات الراغب ٢٤٦.
(٢) المعاني ٢ / ٣٩٦.
(٣) سقط من نسخة «ب».
(٤) وانظر : البغوي ٦ / ٣٩.
(٥) الرازي ٢٦ / ١٧٣.
(٦) البحر المحيط ٧ / ٣٨٠ ، والدر المصون ٤ / ٥٧٨.
(٧) انظر : الكشاف ٣ / ٣٥٧ والدر المصون ٤ / ٥٧٨.
(٨) فعلى الأول ينعقد بها اليمين لأنها صفة من صفاته تعالى بخلاف الثاني فإنه لا ينعقد بها. القرطبي ١٥ / ١٤٠ و ١٤١ والدر المصون ٤ / ٥٧٨.