قوله : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) إضراب انتقال من قصة إلى أخرى. وقرأ الكسائي ـ في رواية سورة(١) ـ وحماد بن الزّبرقان (٢) وأبو جعفر والجحدريّ : في غرّة (٣) بالغين المعجمة والراء. وقد نقل أن حمّادا (٤) الرواية قرأها (٥) كذلك تصحيفا فلما ردّت عليه قال : ما ظننت أن الكافرين في عزّة. وهو وهم منه ، لأن العزة المشار إليها حمية الجاهلية. والتنكير في (عزة وشقاق) دلالة على شدّتهما وتفاقمهما(٦).
فصل
قالت المعتزلة دل قوله : (ذي الذّكر) على أنه محدث ، ويؤيده قوله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) [الأنبياء : ٥٠] (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) [يس : ٦٩] ، والجواب : أنا نصرف دليلكم إلى ما نقرأه نحن به (٧).
فصل
قال القتيبيّ : بل لتدارك كلام ونفي آخر ، ومجاز الآية أن الله أقسم بصاد والقرآن ذي الذكر أن الذين كفروا من أهل مكة في عزة وحميّة جاهلية وتكبّر عن الحق وشقاق خلاف وعداوة لمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم (٨) ـ وقال مجاهد : في عزة وتغابن (٩).
قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا) (كم) مفعول «أهلكنا» و (مِنْ قَرْنٍ) تمييز ، و (مِنْ قَبْلِهِمْ) لابتداء الغاية (١٠) والمعنى كم أهلكنا من قبلهم من قرن يعني من الأمم الخالية فنادوا استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النّقمة. وقيل : نادوا بالإيمان والتوبة عند معاينة العذاب (١١).
قوله : (وَلاتَ حِينَ) هذه الجملة في محل نصب على الحال من فاعل «نادوا» أي استغاثوا والحال أنه لا مهرب ولا منجى (١٢).
__________________
(١) هو سورة بن المبارك الخراساني الدّينوري. روى القراءة عن الكسائي وعنه محمد بن سمعان ، عن ابن مسعود وانظر : طبقات القراء ١ / ٣٢١.
(٢) كذا هنا وفي أكثر النسخ. وفي ب : الزبير وحماد بن الزبرقان. وقد مر ترجمته.
(٣) ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٢٩ وانظر : البحر ٧ / ٣٨٣ والدر المصون ٤ / ٥٨١ والكشاف ٣ / ٣٥٩.
(٤) كان من أهل الكوفة مشهور بالأشعار والأخبار. وانظر : نزهة الألباء ٢٤ : ٢٧.
(٥) عزا ابن خالويه هذه القراءة إلى حماد بن الزبرقان السابق وعزاها صاحب شواذ القرآن لابن مسعود (٢٠٧).
(٦) وانظر : الدر المصون ٤ / ٥٨١.
(٧) الرازي ٢٦ / ١٧٥.
(٨) قاله في تأويل المشكل وفي غريب القرآن له ٣٧٦ وانظر : تفسير البغوي ٤ / ٤١.
(٩) المرجع السابق.
(١٠) الدر المصون ٤ / ٥٨١ ، ٥٨٢.
(١١) وانظر : الرازي ٢٦ / ١٧٥ والبغوي ٤ / ٤١.
(١٢) الدر المصون ٤ / ٥٨٢.