عنه ، والأيد المذكورة ههنا كالقوة المذكورة في قوله : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) [مريم : ١٢] وقوله: (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ) [الأعراف : ١٤٥] أي باجتهاد وتشدد في القيام بالدعوة وترك إظهار الوهن والضعف ، والأيد (و) (١) القوة سواء ، ومنه قوله : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ) [الأنفال : ٦٢] وقوله : (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [البقرة : ٨٧] (وقوله) (٢) : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) [الذاريات : ٤٧] وقال عليه (الصلاة و) السلام : «أحبّ الصّيام إلى الله صيام داود عليه (الصّلاة و) السّلام وأحبّ الصّلاة إلى الله عزوجل صلاة داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وكان ينام نصف اللّيل ويقوم ثلثه وينام سدسه»(٣).
قوله : «إنّه أوّاب» أي رجاع إلى الله عزوجل بالتوبة على كل ما يكره ، والأوّاب فعّال من آب يؤوب إذا رجع قال تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) [الغاشية : ٢٥] وهذا بناء مبالغة كما يقال : قتّال وضرّاب وهو أبلغ من قاتل وضارب ، وقال ابن عباس : مطيع ، وقال سعيد بن جبير : مسبّح بلغة الحبشة (٤).
قوله تعالى : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠) وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ)(٢٦)
قوله : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ) فقوله : «يسبحن» جملة حالية من «الجبال» (٥) وأتى بها هنا فعلا مضارعا دون اسم الفاعل فلم يقل مسبّحات (٦) ، دلالة على
__________________
(١) الواو سقطت من أ.
(٢) زيادة للسياق.
(٣) الحديث رواه البخاري في صحيحه ١ / ١٩٨ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وانظر أيضا البغوي ٦ / ٤٤ ومسند الإمام أحمد ٣ / ٣٠٤ ، ٢ / ١٦٠ ، ١٦٤ ، ١٩٠ ، ٢٠٠ ، ٢٠٥ ، ٢١٦.
(٤) ذكره البغوي في تفسيره ٦ / ٤٤.
(٥) انظر : الكشاف ٣ / ٣٦٤ والدر المصون ٤ / ٥٩٧.
(٦) في ب : يسبحات تحريف ولحن.