بالرد على هذين الوجهين. فقال : «فإن قلت : بم انتصب إذ؟ قلت : لا يخلوا إما أن ينتصب «بأتاك» أو «بالنّبأ» أو بمحذوف فلا يسوغ انتصابه بأتاك لأن إتيان النبأ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا يقع إلا في عهده لا في عهد داود (و) (١) لا بالنبأ ؛ لأن النبأ واقع في عهد داود فلا يصح إتيانه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وإن أردت بالنبأ القصة في نفسها لم يكن ناصبا ، فبقي أن يكون منصوبا بمحذوف تقديره : وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم إذ» (٢). فاختار (٣) أن يكون معمولا لمحذوف (٤).
الرابع : أن ينتصب بالخصم ؛ لما فيه من معنى الفعل (٥).
قوله : (إِذْ دَخَلُوا) فيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من «إذ» الأولى.
الثاني : أنه منصوب بتسوّروا (٦).
ومعنى تسوروا علوا أعلى السّور (٧) ، وهو الحائط غير مهموز كقولك : تسنّم البعير أي بلغ سنامه. والضمير في «تسوّروا» و «دخلوا» راجع على الخصم ، لأنه جمع في المعنى على (٨) ما تقدم ، (أو على (٩) أنه مثنّى والمثنى جمع في المعنى. وتقدم) تحقيقه (١٠).
قوله : «خصمان» خبر مبتدأ مضمر أي نحن خصمان ولذلك جاء بقوله : «بعضنا» (١١) ، ومن قرأ : «بعضهم» (١٢) بالغيبة يجوز أن يقدره كذلك ويكون قد راعى لفظ : خصمان ، ويجوز أن يقدرهم خصمان ليتطابق (١٣) ، وروي عن الكسائي خصمان بكسر الخاء (١٤). وقد تقدم أنه قرأها كذلك في الحجّ.
قوله : (بَغى بَعْضُنا) جملة يجوز أن تكون مفسّرة لحالهم ، وأن تكون خبرا ثانيا (١٥).
فإن قيل : كيف قالا : بغى بعضنا على بعض وهما ملكان ـ على قول بعضهم ـ
__________________
(١) الواو ساقطة من ب.
(٢) الكشاف ٣ / ٣٤٨.
(٣) أي هو. وهو الزمخشري.
(٤) وانظر مع هذا الدر المصون ٤ / ٥٩٩.
(٥) المرجع السابق فهو قول السمين.
(٦) اختار النحاس الأول ٤ / ٤٥٩ وكذلك أبو البقاء في التبيان ١٠٩٧ والمشكل ٢ / ٢٤٩ والبيان ٢ / ٣١٤ وجوز الثاني مع الأول المراجع السابقة عدا النّحاس.
(٧) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٢٥ وانظر : الغريب ٣٧٨.
(٨) الدر المصون ٤ / ٥٩٩.
(٩) ما بين القوسين سقط من نسخة «ب».
(١٠) في [الحج : ١٩] وهي : «هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ».
(١١) معاني الفراء ٢ / ٤٥٩ ومعاني الزجاج ٤ / ٣٢٦ والبيان لابن الأنباري ٢ / ٣١٤ ومشكل الإعراب لمكي ٢ / ٢٤٩ والدر المصون للسمين ٤ / ٥٩٩.
(١٢) سبق أن هذه القراءة لم تنسب إلا في شواذ القرآن للكرماني ٢٠٧ لابن عمير.
(١٣) في ب ليطابق. وانظر : الدر المصون ٤ / ٥٠٠.
(١٤) مختصر ابن خالويه ١٢٩ وقد رواها عن الكسائي أبو يزيد الخزان.
(١٥) الدر ٤ / ٦٠٠.