فصل
قال المفسرون قوله : وعزّني (في الخطاب) أي قهرني وغلبني (فِي الْخِطابِ) أي في القول. قال الضحاك يقول : إن تكلم كان أفصح مني ، وإن حارب كان أبطش مني وحقيقة المعنى أن الغلبة كانت له فضعفي في يده وإن كان الحق معي فقال داود : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) أي بسؤاله (١) نعجتك ليضمها إلى نعاجه (٢).
فإن قيل : كيف قال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك ولم يكن سمع قول صاحبه؟!.
فالجواب : قيل : إن معناه إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك (٣) ، قال ابن إسحاق : لما فرغ الخصم الأول من كلامه نظر داود إلى الخصم الذي لم يتكلم وقال : «لئن (٤) صدق لقد ظلمه» (٥).
وقال ابن الأنباري (٦) : لما ادعى أحد الخصمين) اعترف الثاني فحكم داود عليه ولم يذكر الله ذلك الاعتراف لدلالة الكلام (٧) عليه. وقيل التقدير : إن الخصم الذي هذا شأنه قد (٨) ظلمك ثم قال : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ).
قال الليث : خليط الرّجل مخالطه (٩) ، وقال الزجاج : الخلطاء : الشركاء (١٠).
فإن قيل : لم خص الخلطاء ببغي بعضهم على بعض مع أن غير الخلطاء يفعلون ذلك؟
فالجواب : أن المخالطة توجب كثرة المنازعة والمخاصمة لأنهما إذا اختلطا اطلع كل واحد منهما على أحوال الآخر فكل ما يملكه من الأشياء النفيسة إذا اطلع عليه عظمت رغبته فيه فيفضي ذلك إلى زيادة المخاصمة والمنازعة فلهذا خص داود ـ عليه (الصلاة و) السلام الخلطاء بزيادة البغي والعدوان (١١). ثم استثنى عن هذا الحكم الذين آمنوا وعملوا الصلحات لأن مخالطة هؤلاء لا تكون لأجل الدين. وهذا استثناء متصل من قوله : «بعضهم» (١٢).
قوله : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) خبر مقدم و «ما» مزيدة للتعظيم. و «هم» مبتدأ (١٣).
__________________
(١) في ب بسؤال.
(٢) قاله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٤٧ و ٤٨.
(٣) السابق.
(٤) ما بين القوسين كله ساقط من ب.
(٥) الرازي ٢٦ / ١٩٧.
(٦) هو محمد بن القاسم بن بشار الأنباري أبو بكر كان من أعلم الناس وأفضلهم في نحو الكوفيين له تصانيف كثيرة منها : الأضداد ، والمذكر والمؤنث ، والهاءات. وكان ثقة صدوقا ، من أهل السنة وألف كتبا كثيرة في علوم القرآن والحديث ، والنحو. مات سنة ٣٢٨ ه ، انظر : نزهة الألباء ١٧٨ : ١٨٥.
(٧) الرازي السابق.
(٨) في ب فقد وهذا رأي للرازي المرجع السابق.
(٩) اللسان ١٢٢٩ و ١٢٣٠.
(١٠) معاني القرآن ٤ / ٣٢٧.
(١١) في ب والعداوة. وانظر : الرازي المرجع السابق.
(١٢ و ١٣) انظر : التبيان ١٠٩٩ والبيان ٢ / ٣١٤ والدر المصون ٤ / ٦٠٣.