قال الزمخشري : و «ما» في قوله : (قَلِيلٌ ما هُمْ) للإبهام وفيه تعجب من قلتهم.
قال : فإن أردت أن تتحقق فائدتها وموقعها فاطرحها من قول امرىء القيس :
٤٢٦٦ ـ وحديث ما على قصره (١)
وانظر هل بقي لها معنى قط (٢)؟ (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) أي امتحناه ، قرأ العامة فتنّاه بالتخفيف وإسناده إلى ضمير المتكلم المعظّم نفسه ، وعمر بن الخطاب والحسن وأبو رجاء فتّنّاه بتشديد التاء. وهي مبالغة (٣). وقرأ الضحاك : أفتنّاه (٤) ، يقال : فتنه وأفتنه أي حمله على الفتنة ومنه :
٤٢٦٧ ـ لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت |
|
..........(٥) |
وقرأ قتادة وأبو عمرو ـ في رواية ـ فتنّاه (٦) بالتخفيف وفتّنّاه (٧) بالتشديد ، والألف ضمير (٨) الخصمين ، و «راكعا» حال مقدرة ، قاله أبو البقاء (٩) ، وفيه نظر لظهور المقارنة.
فصل
قال المفسرون : إن الظن ههنا بمعنى العلم ؛ لأن داود عليه (الصلاة و) السلام لما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ، ثم صعد إلى السماء قبل وجهه فعلم داود أنّ الله ابتلاه بذلك فثبت أن داود علم بذلك. وإنما جاز حمل لفظ الظن على العلم ، لأن العلم الاستدلاليّ يشبه الظنّ مشابهة عظيمة والمشابهة علة لجواز المجاز. قال ابن
__________________
(١) تقدم هذا القول في البيت وما فيه.
(٢) كشافه ٣ / ٣٧١. ولقد سبق للزمخشري في قوله : جند ما هنالك أن جعل «ما» مزيدة وفيها معنى الاستعظام إلا أنه على سبيل الهزؤ وهنا قال قوله هذا بأن ما للإبهام وفيه تعجب فهو يريد الزيادة التي تحمل معنى لائقا ومفيدا كما أفاد بذلك قوله.
(٣) المرجع السابق وقد ذكرها ابن جني في المحتسب ٢ / ٢٣٢ وابن خالويه في المختصر ١٣٠ وهي من الشواذ غير المتواترة.
(٤) شاذة كسابقتها قال بها الزمخشري في مرجعه السابق بدون نسبة وقد نسبها أبو حيان والسّمين إلى الضّحّاك. انظر : البحر ٧ / ٣٩٣ والدر المصون ٤ / ٦٠٣.
(٥) صدر بيت من الطويل مختلف في قائل : فمن قائل : إنه لأعشى همدان ومن قائل : أنه لابن قيس وتمامه :
.......... |
|
سعيدا فأمسى قد قلى كل مسلم |
ويراد بسعيد ابن جبير أحد التابعين. وشاهده استواء (فتن وأفتن) ثلاثيّا ورباعيّا لمعنى واحد. ويقال : إن فتن لغة الحجاز والثاني : نجد ، وقد تقدم.
(٦) حاءت في الإتحاف ٣٧٢ والسبعة ٥٥٣ والمحتسب ٢ / ٢٣٢ ومختصر ابن خالويه ١٣٠ وهي سبعية متواترة.
(٧) لم تتواتر هذه القراءة وجاء بها الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٧١ والسمين في الدر ٤ / ٤٠٣.
(٨) في قراءة فتناه التخفيفية.
(٩) التبيان ١٠٩٩.