ذلك بأن قال : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي كل من قال بهذا القول فهو كافر فهذا تصريح بأن مذهب المجبرة من الكفر. واحتج أهل السنة بأن هذه الآية تدل على أنه تعالى خلق أعمال العباد لأن الآية دلّت على أنه تعالى خلق ما بين السماء والأرض وأعمال العباد مما (١) بين السماء والأرض فوجب أن يكون تعالى خالقا لها.
فصل (٢)
دلت الآية على صحة القول بالحشر والنّشر لأنه تعالى لما خلق الخلق في هذا العالم فإما أن يكون خلقهم للإضرار أو الانتفاع ، أو لا لشيء ، والأول باطل ، لأن ذلك لا يليق بالرحيم الكريم ، والثالث أيضا باطل ؛ لأن هذه الحالة حاصلة حين كانوا معدومين ، فلم يبق إلا أن يقال : خلقهم للانتفاع فذلك الانتفاع إما أن يكون في حياة الدنيا أو في حياة الآخرة ، والأول باطل لأن منافع الدنيا قليلة ومضارّها كثيرة وتحمل الضرر الكثير لوجدان المنفعة القليلة لا يليق (٣) بالحكمة ، ولما بطل هذا القول ثبت القول بوجود حياة أخرى بعد هذه الحياة ، وذلك هو القول بالحشر والنّشر والقيامة.
قوله : «باطلا» يجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف أو (٤) حالا من ضمير أي خلقا باطلا ، ويجوز أن يكون حالا من فاعل «خلقنا» أي مبطلين ، أو ذوي باطل ، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله أي للباطل (٥) ، وهو العبث.
قوله : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني أهل مكة هم الذين ظنوا أنهم خلقوا لغير شيء وأنه لا بعث ولا حساب (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).
قوله : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) أم في الموضعين منقطعة(٦) ، وقد تقدم ما فيها. قال مقاتل : قال كفار قريش للمؤمنين : إنّا نعطى في الآخرة من الخير ما تعطون فنزلت هذه الآية : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) أي المؤمنين كالكفار ، قيل : أراد بالمتقين أصحاب النبي (٧) ـ صلىاللهعليهوسلم (٨) ـ.
قوله : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) يجوز أن يكون «كتاب» خبر مبتدأ مضمر ، أي (٩) هذا كتاب
__________________
(١) في ب : ما.
(٢) في ب بياض بدل «فصل».
(٣) في ب : تليق.
(٤) في ب : أي.
(٥) ذكر هذه الأوجه أبو حيان في البحر ٧ / ٣٩٥ والسّمين في الدر المصون ٤ / ٦٠٤ وانظر : التبيان ١١٠٠ والكشاف ٣ / ٣٧٢.
(٦) التبيان ١١٠٠ والكشاف ٣ / ٣٧٢ ومجاز القرآن ٢ / ١٨١ والدر المصون ٤ / ٦٠٤. ومعنى المنقطعة التي لا يفارقها الإضراب ، ثم تارة تكون له مجردا ، وتارة تتضمن مع ذلك استفهاما إنكاريا أو طلبيا ، والآية التي معنا متضمنة الاستفهام الإنكاري.
(٧) البغوي ٦ / ٥٤.
(٨) في ب : ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
(٩) البحر المحيط ٧ / ٣٩٥ والدر المصون ٤ / ٦٠٥.