و «أنزلناه» (١) و «مبارك» خبر مبتدأ مضمر أو خبر ثان (٢). ولا يجوز أن يكون نعتا ثانيا لأنه لا يتقدم عند الجمهور غير الصريح (٣) على الصّريح (٤) ، ومن يرى ذلك استدل بظاهرها (٥). وقد تقدم تحرير هذا في المائدة.
قوله : «ليدّبّروا» متعلق «بأنزلناه» (٦) وقرىء : مباركا على الحال اللّازمة (٧) ، لأن البركة لا تفارقه وقرأ علي ـ رضي الله عنه ـ ليتدبّروا (٨) ، وهي أصل قراءة العامة ، فأدغمت (٩) التاء في الدال ، وأبو جعفر ورويت عن عاصم والكسائيّ لتدبّروا (١٠) بتاء الخطاب وتخفيف الدال ، وأصلها لتتدبروا (١١) بتاءين فحذفت إحداهما ، وفيها الخلاف المشهور هل هي الأولى أو الثانية ، قال الحسن : تدبروا آياته (أتباعه) (١٢)(وَلِيَتَذَكَّرَ) ليتعظ أولو الألباب أي العقول.
قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ)(٤٠)
(قوله) (١٣) : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) المخصوص بالمدح محذوف أي نعم العبد سليمان ، وقيل : داود ؛ لأنه وصفه بهذا المعنى وقد تقدم حيث قال : (داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ). والأول أظهر (١٤) لأنه هو المسوق للحديث عنه ، وقرىء : بكسر العين (١٥) وهي الأصل كقوله :
__________________
(١) السابقان والتبيان ١١٠٠.
(٢) الدر المصون ٤ / ٦٠٥ وقد جعل أبو حيان وأبو البقاء «مبارك» بالرفع على تجويز الصفة الثانية.
(٣) وهو «أنزلناه».
(٤) وهو مبارك.
(٥) الدر المرجع السابق.
(٦) السابق.
(٧) لم تنسب في البحر ٧ / ٣٩٥ والكشاف ٣ / ٣٧٢ ونسبت في الشواذ إلى ابن عمير. الشّواذّ ٢٠٨.
(٨) من الشواذ. انظر ابن خالويه ١٣٠.
(٩) في ب : وأدغمت.
(١٠) من المتواترة السبعية. الإتحاف ٣٧٣ والسبعة ٥٣٣.
(١١) في ب : ليتدابروا.
(١٢) ما بين القوسين سقط من ب وانظر : البغوي ٦ / ٥٤.
(١٣) سقط من ب.
(١٤) البيان ٢ / ٣١٥ والتبيان ١١٠٠ والدر المصون ٤ / ٦٠٥ والبحر المحيط ٧ / ٣٩٦ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٣٠.
(١٥) قال ابن خالويه : فنعم عقبى الدّار (الرعد آية ٢٤) يحيى بن وثاب. المختصر ٦٦ و ٦٧ ، وكذلك نعم العبد إنه أواب.