فصل
قال المفسرون : إنه ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ لما فاتته صلاة العصر لاشتغاله بالنظر إلى تلك الخيل استردها وعقر سوقها وأعناقها تقربا إلى الله تعالى ، وبقي منها مائة ، فالخيل التي في أيدي الناس اليوم ، من نسل تلك المائة ، قال الحسن : فلما عقر الخيل ، أبدله الله ـ عزوجل ـ خيرا منها وأوسع وهي الريح تجري بأمره كيف شاء (١). قال ابن الخطيب : وهذا عندي بعيد لوجوه :
الأول : أنه لو كان مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى فامسحوا برؤوسكم أي اقطعوها وهذا لا يقوله عاقل ، بل لو قيل : مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق ، أما إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم منه البتة من المسح العقر والذبح.
الثاني : أن القائلين بهذا القول جمعوا على سليمان ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ أنواعا من الأفعال المذمومة.
فأولها : ترك الصلاة.
وثانيها : أنه استولى عليه الاشتغال بحبّ الدنيا حيث نسي الصلاة وقال ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : (حبّ) (٢) الدّنيا رأس كلّ خطيئة (٣).
وثالثها : أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة البتة.
ورابعها : أنه خاطب رب العالمين بقوله : (رُدُّوها عَلَيَّ) وهذه كلمة لا يقولها الرجل الحصيف (٤) إلا مع الخادم الخسيس.
وخامسها : أنه أتبع هذه المعاصي بعقر الخيل من سوقها وأعناقها وقد «نهى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة» ، وهذه أنواع من الكبائر نسبوها إلى سليمان ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ مع أن لفظ القرآن لم يدلّ على شيء منها. وخلاصتها : أن هذه القصص إنما ذكرها الله تعالى عقيب قوله : (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) وأن الكفار لما بلغوا في السفاهة إلى هذا الحد قال الله عزوجل لمحمد ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : يا محمد اصبر على سفاهتهم ، واذكر عبدنا داود ، ثم ذكر عقيبه قصّة سليمان فكان التقدير أنه تعالى قال لمحمد ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : يا محمد اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا سليمان. وهذا الكلام إنما يليق إذا قلنا : إن سليمان ـ عليه
__________________
(١) الرازي ٢٦ / ٢٠٥.
(٢) سقطت من ب.
(٣) اختلف في هذا القول فقيل : إنه من قول منصور البجلي. وهو قول ابن تيمية. وعن ابن أبي الدنيا : أنه من قول مالك بن دينار. ومن قائل : إنه من قول عيسى ابن مريم وقال البيهقي وأبو نعيم في الحلية إنه للثوري. وانظر : المقاصد الحسنة ١٨٢ و ١٨٣.
(٤) في ب : الحسيف لحن.