وقرأ العامة بفتح الهمزة على أنه هو المنادي بهذا اللفظ. وعيسى بن عمر بكسرها (١) على إضمار القول أو على إجراء النداء مجراه.
قوله : «بنصب» قرأ العامة بالضم والسكون ، فقيل : هو جمع نصب بفتحتين ، نحو : (وثن) (٢) ووثن وأسد وأسد (٣) ، وقيل : هو لغة في النّصب نحو : رشد ورشد (٤) وحزن وحزن وعدم وعدم. وأبو جعفر وشيبة وحفص ونافع ـ في رواية ـ بضمتين ـ وهو تثقيل نصب بضمة وسكون ، قاله الزمخشري (٥). وفيه بعد لما تقرر أن مقتضى اللغة تخفيف فعل كعنق (٦) لا تثقيل فعل كقفل. وفيه خلاف(٧). وقد تقدم في هذا العسر واليسر في البقرة (٨).
وقرأ أبو حيوة ويعقوب وحفص ـ في رواية ـ بفتح وسكون (٩) وكلها بمعنى واحد وهو التّعب والمشقة.
فصل
النّصب المشقة والضر. قال قتادة ومقاتل : النصب في الجسد والعذاب في المال (١٠). واعلم أن داود وسليمان ـ عليهما (الصلاة و) السلام ـ كانا ممن أفاض الله عليهما أصناف الآلاء والنّعماء ، وأيوب كان ممن خصّه الله تعالى بأنواع البلاء. والمقصود من جميع هذه القصص الاعتبار كأن الله تعالى قال : يا محمد اصبر على سفاهة قومك فإنه ما كان في الدنيا أكثر نعمة ومالا وجاها أكثر من داود وسليمان ، وما كان أكثر بلاء ولا محنة من أيوب. فتأمل في أحوال هؤلاء لتعرف أنّ أحوال الدنيا لا تنتظم لأحد وأن العاقل لا بدّ له من الصبر على المكاره (١١).
__________________
(١) من القراءة الشاذة وانظر : البحر ٧ / ٤٠٠ والقرطبي ١٥ / ٢٠٧ وشواذ القرآن ٣٠٨ ، والدر المصون ٤ / ٦١١.
(٢) تصحيح ل «أ» ففيها دمن وفي ب وأين ووين تحريف.
(٣) وانظر : الدر المصون ٤ / ٦١٢ والكشاف ٣ / ٣٧٦ وإعراب القرآن ٣ / ٤٦٥ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٣٤.
(٤) المراجع السابقة.
(٥) الكشاف ٣ / ٣٧٦.
(٦) قال العلامة الرضي في شرح الشافية ١ / ٤٤ وهذا التخفيف في نحو عنق أكثر منه في إبل لأن الضمتين أثقل من الكسرتين حتى جاء في الكتاب العزيز وهو حجازي : رسلنا ورسلهم. وهو في الجمع أولى منه في المفرد لثقل الجمع معنى.
(٧) حكى الرضي عن الأخفش أن كل فعل في الكلام فتثقيله جائز إلا ما كان صفة أو معتل العين كحمر وسوق وهذا القول ينسب أيضا لعيسى بن عمر وانظر : شرح الشافية ٤٤ ، ٤٦.
(٨) عند قوله : «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» وما قلته الآن ملخص ما ذكره هناك وهذه الآية هي الآية ١٨٥.
(٩) من المتواترات وانظر السبعة ٥٥٤ والإتحاف ٣٧٢.
(١٠) البغوي ٦ / ٦١.
(١١) الرازي ٢٦ / ٢١٢.