قوله : «رحمة وذكرى» مفعول من أجله أي وهبناهم له لأجل رحمتنا إياه وليتذكّر بحاله أولو الألباب (١) يعني سلطنا عليه البلاء أولا فصبر ، ثم أزلنا عنه البلاء وأوصلنا إليه الآلاء والنّعماء تنبيها لأولي الألباب على أن من صبر ظفر. وهو تسلية لمحمد ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ كما تقدم. قالت المعتزلة: وهذا يدل على أن أفعال الله تعالى معلّلة بالأغراض والمقاصد لقوله : (رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ)(٢).
قوله : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) (ضغثا) (٣) معطوف (٤) على «اركض». والضّغث الحزمة الصّغيرة من الحشيش والقضبان ، وقيل : الحزمة الكبيرة من القضبان (٥). وفي المثل : «ضغث على إبّالة» (٦) والإبّالة الحزمة من الحطب ، قال الشاعر :
٤٢٧٦ ـ وأسفل منّي نهدة قد ربطتها |
|
وألقيت ضغثا من خلى متطيب (٧) |
وأصل المادة يدل على جمع المختلطات ، وقد تقدم هذا في يوسف في قوله : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) [يوسف : ٤٤].
قوله : (فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) الحنث الإثم ويطلق على فعل ما حلف على تركه أو ترك ما حلف على فعله لأنهما سببان فيه غالبا (٨).
فصل
هذا الكلام يدل على تقدم يمين منه (٩) ، وقد روي أنه حلف على أهله ، واختلفوا في سبب حلفه عليها ، ويبعد ما قيل : إنها رغبة في طاعة الشيطان ويبعد أيضا ما روي أنها قطعت ذوائبها لأن المضطر يباح له ذلك ، بل الأقرب أنها خالفته في بعض المهمات ، وذلك أنها ذهبت في بعض المهمات فأبطأت فحلف في مرضه ليضربنّها مائة إذا برىء ،
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٦١٢ والتبيان ١١٠٢.
(٢) نقله الرازي في تفسيره السابق ٢٦ / ٢١٥.
(٣) زيادة ضغثا من ألا معنى لها.
(٤) عطف جملة على جملة ، فهو عطف جملة «وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً» على جملة «اركض». وانظر الرازي ٢٦ / ٢١٥.
(٥) انظر : اللسان : «ص غ ث» ٢٥٩٠ ، ٢٥٩١ ومعاني الفراء ٢ / ٤٠٦ ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٣٥ وغريب القرآن لابن قتيبة ٣٨١ والمجاز ٢ / ٢٨٥.
(٦) مثل يضرب لتتابع المصائب على إنسان ما ، والمثل يجوز في صدره وهو ضغث الرفع والنصب والأبيل والأبيلة والإبالة الحزمة من الحشيش والحطب انظر : أمثال الميداني ٢ / ٢٦٠ واللسان : «أب ل».
(٧) من الطويل وهو لعوف بن الخرع التيمي. وشاهده : ضغثا فإنها بمعنى الحزمة الكبيرة. والنّهدة أنثى الفرس الجسيم والخلى : الحشيش الرطب. وانظر : مجاز القرآن ١ / ٣١٢ ، ٢ / ١٨٥ ، والبحر ٧ / ٣٩٩ والدر المصون ٤ / ٦١٢.
(٨) الدر المصون ٤ / ٦١٣.
(٩) انظر في هذا الفصل تفسير الإمام الفخر ٢٦ / ٢١٥ ، والقرطبي ١٥ / ٢١٢ وزاد المسير ٧ / ١٤٣ ، ١٤٤ والبغوي ٦ / ٦١.