ولما كانت حسنة الخدمة (١) لا جرم حلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها وهذه الرخصة باقية ، لما روي أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أتي برجل (٢) ضعيف زنا بأمة فقال : «خذوا (عثكالا فيه) (٣) مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة واحدة».
قوله : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) فإن قيل : كيف وجده صابرا وقد شكا إليه؟
فالجواب من وجوه :
الأول : أنه شكى مسّ (٤) الشيطان إليه وما شكى إلى أحد.
والثاني : أن الآلام حين كانت على الجسد لم يذكر شيئا فلما عظمت الوساوس خاف على القلب والدين (ف) (٥) تضرّع.
الثالث : أن الشيطان عدو والشكاية من العدو إلى الحبيب لا تقدح في الصبر.
قوله : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) يدل على أن التشريف بقوله : (نِعْمَ الْعَبْدُ) إنما حصل لكونه أوابا.
روي أنه لما نزل قوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ) في حق سليمان تارة وفي حق أيوب أخرى عظم في قلوب أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقالوا : إن قوله : نعم العبد تشريف عظيم فإن احتجنا إلى تحمل بلاء مثل أيوب لم نقدر عليه فكيف السبيل إلى تحصيله؟ فأنزل الله تعالى قوله : (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج : ٧٨]. والمراد أنك إن لم تكن نعم العبد فأنا نعم المولى فإن كان منك الفضل (٦) فمني الفضل وإن كان منك التقصير فمني الرحمة والتّيسير (٧).
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ)(٤٨)
قوله : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) قرأ ابن كثير : عبدنا بالتوحيد (٨). والباقون عبادنا بالجمع والرسم يحتملهما ، فأما قراءة ابن كثير فإبراهيم بدل (٩) ، أو بيان ،
__________________
(١) في الرازي : حسنة الخدمة له.
(٢) في الرازي : بمخدم خبث بأمة.
(٣) ما بين القوسين سقط من ب والعثكول والعثكال الشمراخ ، وهو ما عليه البسر من عيدان الكباسة وهو في النخل بمنزلة العنقود من الكرم وتعثكل العذق أي كثرت شماريخه وعثكل الهودج أي زين ، فالعثكال هذا في الحديث معناه العذق من أعذاق النخل الذي يكون فيه الرطب. وانظر : الرازي ٢٦ / ٢١٥ واللسان : «ع ث ك ل» ٢٨٠٨.
(٤) في ب والرازي : من لامس.
(٥) الفاء سقطت من ب.
(٦) في الرازي الفضول.
(٧) وانظر : الرازي ٢٦ / ٢١٥ ، ٢١٦.
(٨) من القراءة المتواترة انظر : السبعة ٥٥٤ ومعاني الفراء ٢ / ٤٠٦ والقرطبي ١٥ / ٢١٧.
(٩) السابق والتبيان ١١٠٢ والبحر ٧ / ٤٠١ والدر المصون ٤ / ٦١٣.