فصل
من قرأ بالإضافة فمعناه أخلصناهم بذكرى الدار الآخرة إن لم يعملوا لها (١) ، والذّكرى بمعنى الذكر. قال مالك بن دينار : نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها ، وقال قتادة : كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله عزوجل. وقال السدي : أخلصوا الخوف للآخرة ، وقيل : أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة ، قاله ابن زيد. ومن قرأ بالتنوين فمعناه بخلّة خالصة وهي ذكرى الدار فتكون (ذِكْرَى الدَّارِ) بدلا عن الخالصة أو جعلناهم مخلصين بما اخترنا من ذكر الآخرة (٢). والمراد بذكرى الدار : الذكر الجميل الرفيع لهم في الآخرة.
وقيل : (إنهم) (٣) أبقي لهم الذكر الجميل في الدنيا ، وقيل : هو دعاؤهم (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)(٤).
قوله : (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) أي المختارين من أبناء جنسهم ، والأخيار : جمع خير أو خيّر ـ بالتثقيل والتخفيف ـ كأموات في جميع ميّت أو ميت. واحتج العلماء بهذه الآية على إثبات عصمة الأنبياء لأنه تعالى حكم عليهم بكونهم أخيارا على الإطلاق وهذا يعم حصول الخيرية في جميع الأفعال والصفات بدليل صحة الاستثناء (٥) منه.
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ) وهم (قوم) (٦) آخرون من الأنبياء تحملوا الشدائد في دين الله ، وقد تقدم شرح أصحاب هذه الأسماء في سورة «الأنعام» (٧).
قوله تعالى : (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) (٥٤)
قوله : (هذا ذِكْرٌ) جملة جيء بها إيذانا بأنّ القصّة قد تمّت وأخذ في أخرى وهذا كما فعل الجاحظ في كتبه (٨) يقول فهذا باب ثم يشرع في آخر ويدل على ذلك أنه لما
__________________
(١) هذا في معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٦١.
(٢) البغوي السابق ٦ / ٦١ ، ٦٢ وزاد المسير ٧ / ١٤٦ والقرطبي ١٥ / ٢١٨.
(٣) سقط من ب.
(٤) الرازي ٢٦ / ٢١٧.
(٥) السابق.
(٦) سقط من ب.
(٧) انظرها بالتفصيل من خلال الآيات ٨٢ إلى آخر الآية ٨٧. وانظر : اللباب ٣ / ٣٧.
(٨) مشى المؤلف وراء السمين الحلبي حيث جعل القرآن مشبها وكلام الجاحظ المؤلف مشبها به ولا يليق أن نشبه القرآن بغيره.