تجعله (١) صفة على إضمار القول كما تقدم. قال أهل المعاني : قراءة الأخوين أولى لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخريا لقوله تعالى : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) فلا يستقيم الاستفهام. وتكون «أم» على هذه القراءة بمعنى «بل» (٢) وأجاب الفراء عن هذا بأن قال : هذا من الاستفهام الذي معناه التعجب والتوبيخ. ومثل هذا الاستفهام جائز عن الشيء المعلوم (٣) ومن فتح الألف قال هو على اللفظ لا على المعنى ليعادل «أم» في قوله (أَمْ زاغَتْ)(٤).
فإن قيل (٥) : فما الجملة المعادلة بقوله : (أَمْ زاغَتْ) على القراءة الأولى؟
فالجواب : أنها محذوفة ، والتقدير : أم زاغت عنهم الأبصار (٦). وقرأ نافع سخريّا ـ بضم السّين ـ والباقون بكسرها. فقيل : هما بمعنى ، وقيل : الكسر بمعنى الهزء ، وبالضم التذليل والتسخير (٧) وأما نظم الآية على قراءة الإخبار فالتقدير : ما لنا نراهم حاضرين لأجل أنّهم لحقارتهم تركوا لأجل (٨) أنهم زاغت عنهم الأبصار ، ووقع التعبير عن حقارتهم بقولهم : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) وأما على قراءة الاستفهام فالتقدير لأجل أنّا قد اتخذناهم سخريا وما كانوا كذلك فلم يدخلوا (٩) لأجل أنه زاغت عنهم الأبصار.
فصل
معنى الآية : وما لنا لا نرى هؤلاء الذين اتخذناهم سخريا لم يدخلوا معنا النّار أم دخلو (ها) فزاغت أي فمالت عنهم أبصارنا (١٠) فلم نرهم حتى دخلوا.
وقيل : (أم) (١١) هم في النار ولكن احتجبوا عن أبصارنا ، وقال ابن كيسان أم كانوا خيرا منا ونحن لا نعلم فكان أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدهّم شيئا (١٢).
__________________
(١) في ب : تجعل.
(٢) نقله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٦٣ والرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ٢٢٣.
(٣) قال : «واستفهم الحسن وعاصم وأهل المدينة وهو من الاستفهام الذي معناه التعجب والتوبيخ ، فهو يجوز بالاستفهام وبطرحه». المعاني ٢ / ٤١١.
(٤) البغوي المرجع السابق ، والرازي ٢٦ / ٢٢٣.
(٥) هذا طرح لسؤال من الرازي في التفسير الكبير المرجع السابق.
(٦) الأصح كما فيه : (المقصودون هم) أم زاغت.
(٧) سبق هذا ولكن المئلف نقل كلام الرازي في تلك القراءة وكان الأولى أن لا يذكرها ما دام قد ذكرها قبل وانظر الرازي ٢٦ / ٢٢٣ وفيه «بمعنى واحد ، وبالضم هو التذليل والسخير».
(٨) في الرازي : أو لأجل.
(٩) وفيه : فلم يدخلوا النار أم لأجل الخ ... وانظر : الرازي المرجع السابق.
(١٠) في ب : الأبصار.
(١١) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٢) قال هذا البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٦٣.