في «يختصمون» للملأ الأعلى هذا هو الظاهر ، وقيل : لقريش أي يختصمون في الملأ الأعلى فبعضهم يقول : بنات الله ، وبعضهم يقول غير ذلك فالتقدير إذ يختصمون فيهم (١) ؛ (يعني) (٢) في شأن آدم ، حين قال الله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها)(٣) [البقرة : ٣٠].
فإن قيل : الملائكة لا يجوز أن يقال : إنهم اختصموا بسبب قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، والمخاصمة مع الله كفر.
فالجواب : لا شك أنه جرى هناك سؤال وجواب وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة (٤) والمشابهة علة(٥) لجواز المجاز فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه ، ولما أمر الله تعالى محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يذكر هذا الكلام على سبيل الرمز أمره أن يقول : (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) يعني أنا ما عرفت هذه المخاصمة إلا بالوحي (٦).
قوله : (إِلَّا أَنَّما أَنَا) العامة على فتح همزة «أنّما» ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنها مع ما في خبرها في محل رفع لقيامها مقام الفاعل أي ما يوحى إليّ (إلا) (٧) الإنذار أو (٨) إلا كوني نذيرا مبينا.
والثاني : أنها في محل نصب أو جر بعد إسقاط (٩) لام العلة والقائم مقام الفاعل على هذا الجار والمجرور أي ما يوحى إليّ إلّا للإنذار (١٠) ، أو (١١) لكوني نذيرا (١٢) ، ويجوز أن يكون القائم مقام الفاعل على هذا ضميرا يدل عليه السياق أي ما يوحى إليّ ذلك الشيء (١٣) إلا للإنذار. وقرأ أبو جعفر بالكسر(١٤) ؛ لأن الوحي قول ، قاله (١٥) البغوي. وهي القائمة مقام الفاعل على سبيل الحكاية كأنه قيل: ما يوحى إليّ إلا هذه
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٦٢٥.
(٢) سقط من ب.
(٣) وهذا رأي الرازي في تفسيره ٢٦ / ٢٢٥.
(٤) كذا في الرازي وأ وفي ب المناكرة.
(٥) في ب : محلة.
(٦) المرجع السابق.
(٧) سقط من ب.
(٨) في ب : و.
(٩) في ب : إسقاطه.
(١٠) في ب : الإنذار. والتصحيح من أهنا.
(١١) في ب : «و» كالسابقة.
(١٢) وقد قال بهذا صاحب البيان ٢ / ٣١٩ ورجح الرفع فقال : «والوجه الأول ـ يعني الرفع ـ أوجه الوجهين». كما قال بهما شهاب الدين السمين ٤ / ٦٢٥.
(١٣) وهو مفهوم كلام الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٨١ قال : «على معنى ما يوحى إليّ إلا هذا وهو أن أنذر وأبلغ ولا أفرط في ذلك أي ما أومر إلا بهذا الأمر وحده».
(١٤) كسر «إنما» وتلك القراءة مروية في المتواتر فقد ذكرها البناء في الإتحاف ٣٧٤ ، وبرغم ذلك فقد أوردها ابن جني في المحتسب ٢ / ٢٣٤ ، ٢٣٥ وابن خالويه في المختصر ١٣٠.
(١٥) معالم التنزيل ٦ / ٦٤.