أحدهما : القول المضمر والتقدير والّذين اتّخذهم المشركون أولياء يقول (١) فيهم المشركون ما نعبدهم إلا.
الثاني : أن الخبر هي (٢) الجملة من قوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ)(٣) وقرىء : (ما نَعْبُدُهُمْ) بضم النون إتباعا للباء (٤) ، ولا يعتدّ (٥) بالساكن.
قوله : «زلفى» مصدر مؤكد على غير المصدر ولكنه ملاق لعامله في المعنى ، والتقدير (والمعنى) (٦) ليزلفونا زلفى وليقرّبونا قربى (٧). وجوز أبو البقاء أن يكون حالا مؤكدة (٨).
فصل
والذين اتخذوا من دونه أي من دون الله أولياء يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله. وهذا الضمير عائد إلى الأشياء التي عبدت ، وهذا الكلام إنما يليق بالعقلاء لأن الضمير في : «نعبدهم» ضمير العقلاء فيحمل (٩) على المسيح وعزير والملائكة لكي يشفعوا لهم عند الله. ويمكن أن يحمل على الأصنام أيضا لأن العاقل لا يعبد الصنم من حيث إنه خشب أو حجر ، وإنما يعبد ربه لاعتقادهم أنها تماثيل الكواكب أو تماثيل الأرواح السماوية أو تماثيل الملائكة أو تماثيل الصالحين الذين مضوا ويكون مقصودهم من عبادتها توجيه (١٠) تلك العبادات إلى أصحاب تلك الصور.
ولما حكى الله تعالى مذاهبهم أجاب عنها من وجوه :
الأول : أنه اقتصر في الجواب على مجرد القول فقال : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
واعلم أن المبطل إذا ذكر مذهبا باطلا وأصرّ عليه فعلاجه أن يحتال بحيلة توجب زوال الإصرار عن قلبه ، فإذا زال الإصرار عن قلبه فبعد ذلك يذكر له الدليل الدالّ على
__________________
(١) في ب مقول.
(٢) كذا في النسختين وصاحب الدر المصون والأصح : هو الجملة.
(٣) بالمعنى من الكشاف للزمخشري ٣ / ٣٨٦ قال : فإن قلت : فالخبر ما هو؟ قلت : هو على الأول إما «إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ» أو ما أضمر من القول قبل قوله : «ما نَعْبُدُهُمْ» وعلى الثاني : «إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ».
(٤) لم ينسبها الكشاف كعادته ولا أبو حيان إلى أحد وكذلك السمين الذي أخذ عنهما. انظر : البحر ٧ / ٤١٥ والكشاف ٣ / ٣٨٦ والدر المصون ٤ / ٦٣٤.
(٥) في ب ولا يفيد. تحريف.
(٦) زيادة من «أ».
(٧) نقل في المشكل ٢ / ٢٥٧ والتبيان ١١٠٨ والقرطبي ١٥ / ٢٣٣.
(٨) التبيان المرجع السابق.
(٩) في ب فيحتمل.
(١٠) وفيها توجه لا توجيه كما هنا.