قوله : «خلقا» مصدر «خلق» ، وقوله : (مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) صفة له فهو لبيان النوع من حيث إنه لما وصف زاد معناه على معنى عامله ، ويجوز أن يتعلق (مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) بالفعل قبله ، فيكون خلقا لمجرد التوكيد.
قوله : (فِي ظُلُماتٍ) متعلق «بخلق» الذي قبله (١) ، ولا يجوز تعلقه «بخلقا» المنصوب ، لأنه مصدر مؤكد ، وإن كان أبو البقاء جوزه ثم منعه بما ذكرت فإنه قال : و «في» يتعلّق به ؛ أي «بخلقا» أو «بخلق» الثاني ، لأن الأول مؤكد فلا يعمل (٢) ، ولا يجوز تعلقه بالفعل قبله لأنه قد تعلق (٣) به حرف مثله ، ولا يتعلق حرفان متحدان لفظا ومعنى إلا بالبدليّة أو العطف ، فإن جعلت «في ظلمات» بدلا من (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) بدل اشتمال لأن البطون مشتملة عليها وتكون بدلا بإعادة العامل جاز ذلك أعني تعلّق الجارّين ب «يخلقكم» (٤) ولا يضر الفصل بين البدل والمبدل منه بالمصدر لأنه من تتمّة العامل فليس بأجنبيّ (٥).
فصل
هذه الحالة مشتركة بين الإنسان وبين الأنعام وهي كونها مخلوقة في بطون الأمهات ، وقوله : (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) معناه ما ذكر الله تعالى (٦) في قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ...) الآيات [المؤمنون : ١٢ ـ ١٤].
وقوله : (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) قال ابن عباس : ظلمة البطن ، وظلمة الرّحم ، وظلمة المشيمة(٧) ، وقيل : الصلب والرحم والبطن (٨). ووجه الاستدلال بهذه الآيات مذكور في قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) [آل عمران : ٦].
قوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) يجوز أن يكون «الله» خبرا «لذلكم» و «ربّكم» نعت لله أو بيان له أو بدل منه (٩). ويجوز أن يكون «الله» بدلا من «ذلكم» و «ربكم» خبره ، والمعنى : ذلكم الله الذي خلق هذه الأشياء ربّكم (١٠).
قوله : (لَهُ الْمُلْكُ) يجوز أن يكون مستأنفا (١١) ، ويجوز أن يكون خبرا بعد
__________________
ـ الميم. انظر : السبعة ٢٢٧ و ٢٢٨ والإتحاف ٣٧٥ وهو يشير إلى الآية : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ» ٢٣ من النساء.
(١) هذه الإعرابات للسمين في الدر ٤ / ٦٣٧ وأبي البقاء في التبيان ١١٠٨.
(٢) المرجع السابق.
(٣) في ب يتعلق.
(٤) في ب من خلقكم خطأ.
(٥) قاله شهاب الدين ابن السمين في الدر ٤ / ٦٣٧.
(٦) قاله الرازي ٢٦ / ٢٤٥.
(٧) هي الجلدة التي فيها الولد والجمع مشيم ومشايم وهي الغرس وانظر : اللسان والتهذيب : «ش ي م».
(٨) وانظر : الكشاف ٣ / ٣٨٨.
(٩) التبيان ١١٠٨ والدر المصون ٤ / ٦٣٧.
(١٠) المرجع الأخير والبيان ٢ / ٣٢١.
(١١) التبيان ١١٠٨.