وفيه بعد ، ولم يقع في القرآن نداء بغير يا حتى يحمل هذا عليه. وضعف أبو حيان هذا الوجه بأنه أجنبي مما قبله ومما بعده (١) ، قال شهاب الدين : وقد تقدم أنه ليس أجنبيا مما بعده إذ المنادى هو المأمور بالقول (٢). وضعفه الفارسي أيضا بقريب من هذا (٣). وتجرأ على قارىء هذه القراءة أبو حاتم والأخفش(٤) ، وأما القراءة الثانية فهي «أم» داخلة على من الموصولة أيضا فأدغمت الميم في الميم. وفي «أم» حينئذ قولان :
أحدهما : أنها متصلة ومعادلها محذوف تقديره : الكافر خير أم الذي هو قانت ، وهذا معنى قول الأخفش (٥).
قال أبو حيان : ويحتاج حذف المعادل إذا كان أوّل إلى سماع (٦) ، وقيل : تقديره أمّن يعصي أمن هو مطيع يستويان وحذف الخبر لدلالة قوله (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ)(٧).
والثاني : أنها منقطعة فتتقدّر (٨) ببل والهمزة أي بل أمّن هو قانت كغيره أو كالكافر المقول له تمتع بكفرك (٩).
وقال أبو جعفر : هي بمعنى «بل» و «من» بمعنى الذي تقديره بل الذي هو قانت أفضل مما ذكر قبله (١٠).
وانتقد عليه هذا التقدير من حيث إن من تقدم ليس له فضيلة البتّة حتى يكون هذا أفضل منه والذي ينبغي أن يقدر : بل الّذي هو قانت من أصحاب الجنة لدلالة ما لقسيمه (١١) عليه من قوله : (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ)(١٢). وقال البغوي من شدّد فله وجهان :
__________________
(١) قال : وقال الفراء الهمزة للنداء كأنه قيل : يا من هو قانت ويكون قوله : «قل» خطابا له وهذا القول أجنبي مما قبله ومما بعده. البحر ٧ / ٤١٨.
(٢) الدر المصون ٤ / ٦٤٠.
(٣) قال : «ولا وجه للنداء هنا لأن هذا موضع معادلة فليس النداء مما يقع في هذا الموضع». الحجة ٧ / ٥٦.
(٤) قال أبو حيان : ولا التفات لتضعيف الأخفش وأبي حاتم هذه القراءة. انظر : المرجع السابق من البحر.
(٥) البحر المرجع السابق.
(٦) السابق وقد أخبر الأنباري في البيان عن تقدير هذا دون تعليق : «العاصون ربّهم خير أم من هو قانت» البيان ٢ / ٣٢٢.
(٧) التبيان ١١٠٩.
(٨) كذا في النسختين وفي السمين فنقدر بتاء واحدة فلا فرق في المعنى بين الكلمتين.
(٩) هذا رأي أبي إسحاق الزجاج في المعاني ٤ / ٣٤٧ : «وأثر القراءة بتشديد الميم على معنى بل أم من هو قانت».
(١٠) تبع أبو جعفر أستاذه الزجاج في هذا انظر الإعراب ٤ / ٨ له.
(١١) في ب لتسمية خطأ.
(١٢) هذا رد أبي حيان ومن بعد السمين الحلبي انظر : البحر ٧ / ٤١٩ والدر المصون ٤ / ٦٤١.