وقرأ الضحاك برفعهما على أحد وجهين ، إما النعت «لقانت» (١) وإما أنهما خبر بعد خبر (٢).
قوله : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) يجوز أن يكون حالا من الضمير في «قانت» وأن يكون حالا من الضمير في «ساجدا» و «قائما» وأن يكون مستأنفا جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل : ما شأنه يقنت آناء الليل ويتعب (٣) نفسه ويكدّها؟ فقيل : يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه (٤) ، أي عذاب الآخرة. وفي الكلام حذف (٥) ، والتقدير كمن لا يفعل شيئا من ذلك ، وإنّما حسّن هذا الحذف دلالة ذكر الكافر قبل هذه الآية وذكر بعدها (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) والتقدير : هل يستوي الذين يعلمون وهم الذين صفتهم أنهم يقنتون آناء الليل ساجدا وقائما والذين لا يعلمون وهم الذين صفتهم عند البلاء والخوف يوحدون وعند الراحة والفراغ (٦) يشركون ، وإنما وصف الله الكفار بأنهم لا يعلمون لأنه تعالى وإن آتاهم آلة العلم إلا أنهم أعرضوا عن تحصيل العلم فلهذا جعلهم الله كأنهم ليسوا أولي الألباب من حيث إنّهم لم ينتفعوا بعقولهم وقلوبهم (٧).
قوله : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) قيل : الذين يعلمون «عمار» والذين لا يعلمون أبو حذيفة المخزوميّ (٨) ، وهذا الكلام تنبيه على فضيلة العلم قيل لبعض العلماء : إنكم تقولون العلم أفضل من المال (ثم نرى (٩) العلماء عند أبواب الملوك) ولا نرى الملوك عند أبواب العلماء فأجاب بأن هذا أيضا يدل على فضيلة العلم لأن العلماء علموا ما في المال من المنفعة فطلبوه ، والجهال (١٠) لم يعرفوا ما للعلم من المنافع فلا جرم تركوه.
(قوله) (١١) : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) قرىء : إنّما يذكر (١٢) بإدغام التاء في الذال.
قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(١٠)
قوله : (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أي بطاعته ، واجتناب معاصيه. قال
__________________
(١) السابق ومعاني الفراء ٢ / ٤١٧ والبحر المحيط ٧ / ٤١٩.
(٢) نقله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٩٠.
(٣) في ب ويقنت. خطأ.
(٤) الدر المصون ٤ / ٦٤١.
(٥) كرر المؤلف ثانية في الحذف وأتى بكلام الرازي وكان من باب أولى أن يضع له عنوانا كعادته في النقل عن السابقين.
(٦) في الرازي والفراغة.
(٧) الرازي ٢٦ / ٢٥١.
(٨) البغوي ٦ / ٦٩.
(٩) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
(١٠) في «أ» الجبال فالتصحيح من «ب» والرازي.
(١١) سقط من ب.
(١٢) في ب يتذكر لحن وخطأ وانظر : الكشاف ٣ / ٣٩٠ والبحر ٧ / ٤١٩.