القاضي أمرهم بالتقوى لكي لا يحبطوا إيمانهم بأعمالهم لأن عند الاتقاء من الكبائر يسلم لهم الثواب وبالإقدام عليها يحبط.
فيقال (له) (١) : هذا بأن يدل على ضد قولك أولى لأنه أمر المؤمنين بالتقوى فدل ذلك على أنه يبقى مؤمنا مع عدم التقوى وذلك يدل على أن الفسق لا يزيل الإيمان (٢).
واعلم أنه تعالى لما أمر المؤمنين بالاتّقاء بين لهم ما في هذا الاتقاء من الفوائد فقال : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ).
قوله : (فِي هذِهِ الدُّنْيا) يجوز أن يتعلق بالفعل قبله ، وحذفت صفة «حسنة» إذ المعنى حسنة عظيمة لأنه لا يوعد (٣) من عمل حسنة في الدنيا حسنة مطلقا بل مقيدة بالعظم ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «حسنة» كانت صفة لها فلما تقدمت بقيت حالا (٤).
فصل
قوله : (فِي هذِهِ الدُّنْيا) يحتمل أن يكون صلة (٥) لقوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي آمنوا وأحسنوا العمل في الدنيا حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة ، والتنكير في «حسنة» للتعظيم أي حسنة لا يصل العقل إلى كنه كمالها ، قاله مقاتل. ويحتمل أن يكون صلة لقوله : «حسنة». وعلى هذا قال السدي : معناه في هذه الدنيا حسنة يريد (٦) الصحة. قال ابن الخطيب : الأولى أن يحمل على الثلاثة المذكورة في قوله صلىاللهعليهوسلم : ثلاثة ليس لها نهاية الأمن والصّحّة والكفاية (٧) ، وقال بعضهم : الأول أولى لوجوه:
أحدها : أن التنكير يفيد النهاية في التعظيم والرفعة ، وذلك لا يليق بأحوال الدنيا لأنها خسيسة منقطعة وإنما يليق بأحوال الآخرة.
وثانيها : أن الثواب للتوحيد والأعمال الصالحة إنما يحصل في الآخرة ، وأما الأمن والصحة والكفاية فحاصل للكفار أكثر من حصولها للمؤمنين كما قال ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : «الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر» (٨).
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) قاله الرازي ٢٦ / ٢٥٢.
(٣) في ب يؤخذ خطأ.
(٤) بالمعنى من البحر ٧ / ٤١٩ وباللفظ من الدر ٤ / ٦٤٢.
(٥) الواقع أن المؤلف على كثير من عادته قد خلط خطأ بين قولين منقولين بين الرازي والبغوي يقول الرازي : «يحتمل أن يكون صلة لقوله : أحسنوا ، أو الحسنة فعلى التقدير الأول معناه للذين أحسنوا في هذه الدنيا كلهم حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة ، وأما على التقدير الثاني فمعناه الذين أحسنوا فلهم في هذه الدنيا حسنة» [الرازي ٢٦ / ٢٥٢]. ويقول البغوي : أي آمنوا وأحسنوا العمل حسنة يعني الجنة [٦ / ٦٩].
(٦) السابق.
(٧) لم أجده إلا في الرازي المرجع السابق.
(٨) أورده مسلم في صحيحه باب الزهد عن أبي هريرة ٨ / ٢١.