أو كان العامل (١) فرعا وبغير اطراد في غير الموضعين. ولم يذكر أحد من النحويين هذا التفصيل. وقوله : كما عوض السين في «أسطاع» (٢) هذا على أحد القولين ، والقول الآخر أنه استطاع ، فحذف تاء الاستفعال ، وقوله : والدليل عليه مجيئه بغير لام قد يقال : إن أصله باللام ، وإنما حذفت لأن حرف الجر يطرد حذفه مع «أن» و «أنّ» ويكون المأمور به محذوفا تقديره : أن أعبد لأن أكون.
فصل
المراد من الكلام : أن يكون أول من تمسك بالعبادات التي أرسلت بها. واعلم أن العبادة لها ركنان عمل القلب وعمل الجوارح وعمل القلب أشرف من عمل الجوارح وهو الإسلام فقال : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) أي من هذه الأمة.
قوله : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) وعبدت غيره (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وهذا حين دعا إلى دين آبائه (٣) ، والمقصود منه المبالغة في زجر الغير عن المعاصي. ودلت هذه الآية على أن الأمر للوجوب لقوله في أول الآية : (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) ثم قال بعده : (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) فيكون معنى هذا العصيان ترك الأمر الذي تقدم ذكره ، ودلت الآية أيضا على أن المرتب على المعصية ليس حصول العقاب بل الخوف من العقاب (٤).
قوله : (قُلِ (٥) اللهَ أَعْبُدُ) قدمت الجلالة عند قوم لإفادة الاختصاص (٦). قال الزمخشري : ولدلالته على ذلك قدم المعبود على فعل العبادة هنا وأخره في الأول فالكلام أولا وقع في الفعل نفسه وإيجاده ، وثانيا فيمن (٧) يفعل الفعل من أجله فلذلك رتب عليه قوله : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ)(٨). قال ابن الخطيب : فإن قيل : ما معنى التكرير في قوله : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) وقوله : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي)؟ قلنا : هذا ليس بتكرير لأن الأول إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالإيمان (٩) بالعبادة والثاني إخبار بأنّه أمر أن لا يعبد أحدا غير الله ، وذلك لأن قوله : (أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) لا يفيد الحصر وقوله تعالى : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ) يفيد الحصر أي الله أعبد ولا أعبد أحدا سواه ، ويدل عليه أنه لما قال : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ) قال بعده : (فَاعْبُدُوا ما
__________________
(١) أي إذا كان العامل غير أصيل مثل اسم الفاعل في قوله : «فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» * وهذه اللام تسمى لام التقوية لأنها قوت العامل ـ وهو اسم الفاعل ـ لما كان فرعا عن الفعل وهو فعل.
(٢) في ب استطاع لحن وخطأ.
(٣) قاله البغوي في معالم التنزيل [٦ / ٧٠].
(٤) قاله الرازي ٢٦ / ٢٥٥.
(٥) في ب قل كما القرآن وفي «أ» بل فالتصحيح من ب.
(٦) نقله السمين في الدر ٤ / ٦٤٣.
(٧) كذا في ب والكشاف وفي «أ» ضمير بدل من «فيمن». خطأ.
(٨) انظر : الكشاف ٣ / ٣٩٢.
(٩) كذا في النسختين وفي تفسير ابن الخطيب وهو الرازي بالإتيان. وانظر : الرازي ٢٦ / ٢٥٥.