وقيل : يجوز أن يكون مبتدأ ، وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ) إلى آخره خبره ، وعلى هذا فالوقف على قوله : «عبادي» والابتداء بما بعده (١).
قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) قال ابن زيد : نزلت : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها ...) الآيتان في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون : لا إله إلا الله زيد (٢) بن عمرو (٣) وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسيّ ، والأحسن قول لا إله إلا الله. وفي هذه الآية لطيفة وهي أن حصول الهداية في العقل والروح حادث فلا بدّ له من فاعل وقائل أما الفاعل فهو الله تعالى وهو المراد من قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) ، وأما القائل فإليه الإشارة بقوله : (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) فإن الإنسان ما لم يكن عاقلا كامل الفهم امتنع حصول هذه المعارف والحقيقة في قلبه (٤).
قوله تعالى : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ)(٢٠)
قوله : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ) في «من» هذه وجهان :
أظهرهما : أنها موصولة في محل رفع بالابتداء وخبره محذوف فقدره أبو البقاء : «كمن نجا» (٥). وقدره الزمخشري : «فأنت تخلّصه» قال : حذف لدلالة : «أفأنت تنقذ» عليه (٦) وقدره غيره : تتأسّف عليه ، وقدره آخرون : تتخلّص منه ، أي من العذاب (٧).
وقدر الزمخشري على عادته جملة بين الهمزة والفاء تقديره : أأنت مالك أمرهم فمن حقّ عليه كلمة العذاب (٨)؟
وأما غيره (٩) فيدعي أن الأصل تقديم الفاء ، وإنما أخّرت لما تستحقه الهمزة من التصدير. وقد تقدم تحقيق هذين القولين (١٠).
الثاني : أن تكون «من» شرطية وجوابها : «أفأنت» فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء ، وأعيدت الهمزة لتوكيد معنى الإنكار. وأوقع الظاهر وهو (مَنْ فِي النَّارِ)
__________________
(١) المرجع السابق وبه قال السمين أيضا.
(٢) ابن نفيل أبو سعيد أحد المسمّين للجنة قتل من النصارى. المعارف ٥٩.
(٣) وانظر : البغوي ٦ / ٧١.
(٤) قال بتلك اللطيفة الرازي في تفسيره ٢٦ / ٢٦٢.
(٥) التبيان ١١١٠.
(٦) الكشاف ٣ / ٣٩٣.
(٧) ذكر هذين التقديرين أبو حيان في بحره ٧ / ٤٢١ والسمين في الدر ٦٤٤ والتقدير : يتخلّص منه أو ينجو منه تقدير الزجاج في الإعراب ٤ / ٣٥٠.
(٨) الكشاف ٣ / ٣٩٣.
(٩) من الجمهور وسيبويه.
(١٠) تقدم هذا مبسوطا.