قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢٢)
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) (الآية) (١) لما وصف الآخرة بوصف يوجب (٢) الرغبة العظيمة فيها وصف الدنيا بصفة توجب (اشتداد) (٣) النفرة عنها ، وذلك أنه أنزل من السماء ماء وهو المطر وقيل : كل (٤) ماء في الأرض فهو من السماء ، ثم إنه تعالى ينزله إلى بعض المواضع ثم يقسمه (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) أي عيونا ومسالك وركايا (٥) في الأرض ومجاري كالعروق في الأجساد (٦)(ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) من خضرة وحمرة ، وصفرة وبياض وغير ذلك مختلفا أصنافه من برّ وشعير وسمسم «ثمّ يهيج» أي ييبس (٧)(فَتَراهُ مُصْفَرًّا) لأنه إذا تم جفافه جاز (له) (٨) أن ينفصل عن منابته (٩) وإن لم تتفرّق أجزاؤه فتلك الأجزاء كأنها هاجت لأن تتفرق ثم تصير حطاما فتاتا متكّسرا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) يعني من شاهد هذه الأحوال في النبات علم أن أحوال الحيوان والإنسان كذلك وأنه وإن طال عمره فلا بدّ من الانتهاء إلى أن يصير مصفرّ اللون متحطم الأعضاء والأجزاء ثم يكون عاقبته الموت ، فإذا كانت مشاهدة هذه الأحوال في النبات (١٠) مذكرة حصول (مثل) (١١) هذه الأحوال في نفسه وفي حياته فحينئذ تعظم نفرته عن الدنيا ولذاتها.
قوله : (ثُمَّ يَجْعَلُهُ) العامة على رفع الفعل نسقا على ما قبله ، وقرأ أبو بشر (١٢) ثم يجعله منصوبا (١٣).
__________________
(١) زيادة من ب.
(٢) في ب : فوجب.
(٣) سقط من «ب».
(٤) لعل قصد المؤلف ـ نقلا عن الرازي ـ كل ماء. وفي النسختين «كلما في الأرض» وفي الرازي كل ما في الأرض بلفظ «ما» فقط.
(٥) جمع ركية وهي البئر تحفر وجمعها ركايا ، وجمعها ابن سيده ركاوى لأنه من ركوت الأمر أصلحته ، اللسان «ر ك ا» ١٧٢٢.
(٦) في ب : الأجسام.
(٧) قال الزجاج : يجف وقال أو عبيدة يذوي ، انظر : الزجاج ٤ / ٣٥١ والمجاز ٢ / ١٨٩ والغريب ٣٨٣.
(٨) سقط من ب.
(٩) في ب : مباينة.
(١٠) في الرازي تذكره.
(١١) سقط من ب.
(١٢) هارون بن حاتم أبو بشر الكوفيّ ، مقرىء ، مشهور روى الحروف عن أبي بكر بن عياش والقراءة عن أحمد بن محمد بن عبد الله وعنه أحمد بن يزيد الحلواني وابن العباس الرازي مات سنة ٢٤٩ ه.
انظر : غاية النهاية ٢ / ٣٤٥ ، ٣٤٦.
(١٣) وانظر : البحر ٧ / ٢٢٤ والشواذ ٢٠٩ والكامل مخطوط. وصاحب الكامل : هو أبو القاسم يوسف بن ـ