قال أبو حيان : قال صاحب الكامل ـ يعني الهذليّ ـ : وهو ضعيف. ولم يبين هو ولا صاحب الكامل وجه ضعفه ولا تخريجه (١) ، فأما ضعفه فواضح حيث لم يتقدم ما يقتضي نصبه في الظاهر ، وأما تخريجه فذكر أبو البقاء فيه وجهين :
أحدهما : أن ينتصب بإضمار «أن» ويكون معطوفا على قوله : (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) في أول الآية والتقدير : ألم تر إنزال الله ثم جعله.
والثاني : أن يكون منصوبا بتقدير : ترى أي ثم ترى جعله حطاما يعني أنه ينصب «بأن» مضمرة وتكون أن وما في حيّزها مفعولا به بفعل مقدر وهو «ترى» لدلالة : (أَلَمْ تَرَ) عليه (٢).
قوله (تعالى) (٣) : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) الآية ، لما بين الدلائل الدالة على وجوب الإقبال على طاعة الله ووجوب الإعراض عن الدنيا وذكر أن الانتفاع بهذه البيانات لا تكمل (٤) إلا إذا شرح الصدر ونوّر القلب ، والكلام في قوله (تعالى) : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ) وقوله : (أَفَمَنْ يَتَّقِي) كالكلام في (أَفَمَنْ حَقَّ) والتقدير : أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن قسا قلبه ، أو كالقاسي المعرض لدلالة : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) عليه وكذا التقدير في : (أَفَمَنْ يَتَّقِي) أي كمن أمن العذاب ، وهو تقدير الزمخشري (٥) ، أو : كالمنعمين في الجنة وهو تقدير ابن عطيّة.
فصل
معنى شرح الله صدره للإسلام أي وسعه لقبول الحق (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) كمن أقسى الله قلبه (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). قال مالك بن دينار : ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب وما غضب الله على قوم إلا نزع منهم الرحمة (٦).
فإن قيل : إن ذكر الله ـ عزوجل ـ سبب لحصول النور والهداية وزيادة الاطمئنان قال تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : ٢٨] فكيف جعله في هذه الآية مبينا لحصول القسوة في القلب؟
__________________
ـ جبارة الهذلي المغربي الذي طاف البلاد ، وروى عن أئمة القراءة حتى انتهى إلى بلاد «ما وراء النّهر» انظر : طبقات ابن الجزري ٢ / ٣٩٧ ، ٣٩٨ ولطائف الإرشادات ١ / ٨٧ ، ٨٨ وإبراز المعاني ٢٣.
(١) البحر ٧ / ٤٢٢ والدر المصون ٤ / ٤٦.
(٢) بتوضيح من صاحب الدر ٤ / ٦٤٦. وانظر : التبيان ١١١٠ ولم يرتض صاحب البيان قراءة النصب قال : «وقرىء بالنصب وهي قراءة ضعيفة وليس في توجيهها قول مرض جار على القياس» البيان ٢ / ٣٢٣.
(٣) سقط من ب.
(٤) في ب : يكمل.
(٥) الكشاف ٣ / ٣٩٦ عند الآية ٢٤ الآتية.
(٦) قاله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٧٢.