هذا حديث وليس بعتيق ، وهذا عتيق (١) وليس بحديث ، ولا يصح أن يقال : هذا عتيق وليس بحادث فثبت أن الحديث هو الذي يكون قريب العهد بالحدوث. وسمي الحديث حديثا لأنه مؤلّف من الحروف والكلمات وتلك الحروف والكلمات تحدث (٢) حالا فحالا وساعة فساعة.
الثاني : قالوا بأنّه تعالى وصفه بأنه أنزله والمنزل يكون في محلّ تصرف الغير وما كان كذلك فهو محدث وحادث.
الثالث : قالوا : إن قوله : (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) يقتضي أن يكون هو من جنس سائر الأحاديث كما أنّ قوله : «زيد أفضل الإخوة» (يقتضي (٣) أن يكون زيد مشاركا لأولئك الأقوام في صفة الأخوّة) ويكون من جنسهم ، فثبت أن القرآن من جنس سائر الأحاديث ، ولما كان سائر الأحاديث حادثة وجب أيضا أن يكون القرآن حادثا.
الرابع : قالوا : إنه تعالى وصفه بكونه كتابا والكتاب مشتق من الكتيبة وهي الاجتماع ، وهذا يدل على كونه حادثا.
قال ابن الخطيب : والجواب أن نحمل هذا الدليل على الكلام المؤلف من الحروف والألفاظ والعبارات ، وذلك الكلام عندنا محدث مخلوق (٤).
فصل
كون القرآن أحسن الحديث إما أن يكون بحسب اللفظ وذلك من وجهين :
الأول : أن يكون ذلك الحسن لأجل الفصاحة والجزالة.
الثاني : أن يكون بحسب النظم في الأسلوب وذلك لأن القرآن ليس من جنس الشعر ولا من جنس الخطب ولا من جنس الرّسالة بل هو نوع يخالف الكلّ مع أن كل (ذي) (٥) طبع سليم يستلذّه ويستطيبه ، وإما أن يكون أحسن الحديث لأجل المعنى. وهو من وجوه :
الأول : أنه كتاب منزه عن التناقض قال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] ، ومثل هذا الكتاب إذا خلا عن التناقض كان ذلك من المعجزات.
الثاني : اشتماله (٦) على الغيوب الكثيرة في الماضي والمستقبل.
__________________
(١) أي قديم.
(٢) في ب : بحدوث.
(٣) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
(٤) وانظر في هذا تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٢٦٧.
(٥) زيادة من الرازي عن النسختين.
(٦) في ب : استعماله.