قوله : (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ) أي تقول الخزنة للظالمين : (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي وباله.
ولما بين كيفية عقاب القاسية قلوبهم في الآخرة وبين كيفية وقوعهم في العذاب قال : (كَذَّبَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل كفار مكة كذبوا الرسل (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) يعني وهم آمنون غافلون عن العذاب (١) أي من الجهة التي لا يخشون ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها ، (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وهو الذل والصغار والهوان ثم قال (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) يعني أنّ أولئك وإن نزل بهم العذاب والخزي في الدنيا فالعذاب المدخر لهم يوم القيامة أكبر وأعظم من ذلك الذي وقع بهم في الدنيا.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٢٩)
ولما ذكر الله تعالى هذه الفوائد الكثيرة في هذه المطالب بين أن هذه البيانات بلغت حدّ الكمال والتمام فقال : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يتعظون ، قالت المعتزلة : دلت الآية على أن أفعال الله تعالى وأحكامه معللة ، ودلت أيضا على أنه تعالى يريد الإيمان والمعرفة من الكلّ ؛ لأن قوله : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ) مشعر بالتعليل ، وقوله في آخر الآية : (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) مشعر بالتعليل أيضا ومشعر بأن المراد من ضرب هذه الأمثال حصول التذكرة والعلم (٢).
قوله : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) فيه (٣) ثلاثة أوجه :
أحدها : (أن يكون منصوبا على المدح (٤) ؛ لأنه لما كان نكرة امتنع إتباعه للقرآن (٥).
الثاني : أن ينتصب ب «يتذكرون» (٦) أي) يتذكرون قرآنا.
الثالث : أن ينتصب (٧) على الحال (٨) من «القرآن» على أنها حال مؤكدة وتسمى حالا موطّئة؛ لأن الحال في الحقيقة «عربيا» ، و «قرآنا» توطئة له ، نحو : جاء زيد رجلا
__________________
(١) انظر في هذا البغوي ٦ / ٧٤.
(٢) الرازي ٢٦ / ٢٧٥.
(٣) أي عربيا.
(٤) وهو قول الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٩٦.
(٥) قال بالتعليل السمين في الدر ٤ / ٦٤٨.
(٦) هو قول أبي البقاء في التّبيان ١١١١ وما بين القوسين ساقط من ب.
(٧) في ب : ينصب.
(٨) التّبيان والكشّاف والدّر السابقة وانظر أيضا البيان ٢ / ٣٢٣ ومشكل الإعراب ٢ / ٢٥٩.