صالحا ، وقوله : (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) نعت «لقرآنا» ، أو حال أخرى (١).
قال الزمخشري : فإن قلت : فهلا قيل مستقيما أو غير معوجّ؟ قلت : فيه فائدتان :
إحداهما : نفي أن يكون فيه عوج قط كما قال : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً)(٢) [الكهف : ١].
والثانية : أن العوج يختص بالمعاني دون الأعيان وقيل : المراد بالعوج الشك واللّبس وأنشد :
٤٢٩٨ ـ وقد أتاك يقين غير ذي عوج |
|
من الإله وقول غير مكذوب (٣) |
فصل
اعلم أنه تعالى وصف القرآن بصفات ثلاثة :
أولها : كونه قرآنا ، والمراد كونه متلوّا في المحاريب إلى قيام الساعة.
وثانيها : كونه عربيا أي أنه أعجز الفصحاء والبلغاء عن معارضته كما قال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) [الإسراء : ٨٨].
وثالثها : كونه غير ذي عوج ، والمراد براءته من التناقض (٤) ، قال ابن عباس : غير مختلف ، وقال مجاهد : غير ذي لبس وقال السدي : غير مخلوق ، ويروى ذلك عن مالك بن أنس ، وحكى سفيان بن عيينة عن سبعين من التابعين أن القرآن ليس بخالق ولا مخلوق (٥).
قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الكفر والتكذيب به. وتمسك المعتزلة به في تعليل أحكام الله تعالى ، وقوله في الآية الأولى : (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ،) وههنا : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) لأن التذكر يتقدم على الاتّقاء والاحتراز. والله أعلم (٦).
قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً) قال الكسائي : نصب «رجلا» لأنه تفسير للمثل(٧)(٨).
واعلم أنه تعالى لما شرح وعيد الكفار مثّل بما يدل على فساد مذهبهم وقبح طريقتهم ، فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً).
__________________
(١) قاله شهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٦٤٩.
(٢) وانظر : الكشاف ٣ / ٣٩٦.
(٣) بيت من بحر البسيط تكملة لما قاله الزمخشري في الكشاف ولم أعثر على قائل معين. وجيء بالبيت شاهدا أن العوج في المعنويات دون المحسوسات وهو هنا بمعنى الشك واللبس ، وانظر : الكشاف ٣ / ٣٩٦ ، وشرح شواهده ٤ / ٣٤١ والقرطبي ١٥ / ٢٥٢ والبحر ٧ / ٤٢٤ والدر المصون ٤ / ٦٤٩ وفتح القدير ٤ / ٤٦١.
(٤) وانظر : الرازي ٢٦ / ٢٧٦.
(٥) البغوي ٦ / ٧٤.
(٦) الرازي المرجع السابق.
(٧) في ب : للميل. خطأ.
(٨) نقله عنه القرطبي في الجامع ١٥ / ٢٥٢.