أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧]. وقال الحسن : هم المؤمنون صدقوا به في الدنيا وجاءوا به في الآخرة (١) ، (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
وهذا لا يفيد (٢) العبدية بمعنى الجهة والمكان بل بمعنى الإخلاص ، كقوله : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٥].
ثم قال : (ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) قالت المعتزلة : وهذا يدل على أن الأجر مستحق لهم على إحسانهم في العبادة.
قوله : (لِيُكَفِّرَ اللهُ) في تعلق الجار وجهان :
أحدهما : أنها متعلقة بمحذوف أي يسّر لهم ذلك ليكفّر.
والثاني : أن تتعلق بنفس المحسنين كأنه قيل : الذين أحسنوا ليكفّر أي لأجل التكفير (٣).
قوله : (أَسْوَأَ الَّذِي) الظاهر أنه أفعل تفضيل ، وبه قرأ العامة وقيل : ليست للتفضيل بل بمعنى سيء الذي عملوا كقولهم : «الأشجّ والنّاقص أعدلا بني مروان» أي عادلاهم (٤). ويدل عليه قراءة ابن كثير ـ في رواية ـ : أسواء بألف بين الواو والهمزة (٥) بزنة أعمال جمع سوء ، وكذا قرأ في : (لَحْمَ) السّجدة (٦).
فصل
قوله : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه ، وقوله تعالى : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ) يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه (٧) ومعنى تكفيرها أي يسترها عليهم بالمغفرة ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا
__________________
(١) وانظر كل ما سبق من أقوال في : تفسيري الإمامين البغوي والخازن معالم التنزيل ولباب التأويل ٦ / ٧٦.
(٢) قاله الإمام الرازي ٢٦ / ٢٨٠.
(٣) قال بهذين الوجهين السّمين في الدر ٤ / ٦٥٣ وأبو حيّان في بحره ٧ / ٤٢٨.
(٤) السابقين أيضا. والأشجّ هو عمر بن عبد العزيز وسمي كذلك لشجة من حافر دابة كانت في جبهته والناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك وسمي كذلك لأنه نقص من رواتب الجند. والشاهد في «أعدلا» فإنه بمعنى العادلين ولم يقصد به التفضيل ولو قصد به التفضيل لكان موحّدا. وانظر : شرح المفصل لابن يعيش ٣ / ٦.
(٥) ذكرها صاحب المختصر ١٣٢ والبحر المحيط ٧ / ٤٢٩ ولم ترو عنه في الكتب المتواترة ، وانظرها في الكشاف بدون نسبة ٣ / ٣٩٨.
(٦) عند قوله تعالى : «فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ»[فصلت : ٢٧] وانظر الدر المصون ٤ / ٦٥٤.
(٧) قاله الرازي في تفسيره ٢٦ / ٢٨١ ، ٢٨٠.