يعملون. وقال مقاتل : يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوىء (١) ، قال ابن الخطيب : واعلم أن مقاتلا كان شيخ المرجئة وهم الذين يقولون : لا يضرّ شيء من المعاصي مع الإيمان كما لا ينفع شيء من الطاعات مع الكفر. واحتج بهذه الآية فقال : إنها تدلّ على أن من صدق الأنبياء والرسل فإنه تعالى يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا ولا يجوز حمل هذا الأسوأ على الكفر السابق لأن ظاهر الآية أن التكليف (٢) إنما حصل في حال وصفهم بالتّقوى (٣) ، (وهو التقوى) (٤) من الشرك وإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد منه الكبائر التي يأتي بها بعد الإيمان فتكون هذه الآية تنصيصا على أنه تعالى يكفر عنهم بعد إيمانهم (أسوأ) (٥) ما يأتون به وذلك هو الكبائر.
قوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) العامة على توحيد «عبده» ، والأخوان (٦) عباده جمعا ، وهم الأنبياء وأتباعهم ، وقرىء «بكافي عباده» (٧) بالإضافة. ويكافي مضارع كافى عباده نصب على المفعول (٨) به.
ثم المفاعلة (٩) هنا تحتمل أن تكون بمعنى «فعل» نحو : يجازي بمعنى يجزي وبني على لفظ المفاعلة لما تقدم من أن بناء المفاعلة يشعر بالمبالغة لأنه للمبالغة ، ويحتمل أن يكون أصله يكافىء بالهمز من المكافأة بمعنى يجزيهم فخففت الهمزة (١٠) ، وهذا استفهام تقرير.
قوله : «ويخوّفونك» يجوز أن يكون حالا ؛ إذ المعنى أليس (الله) كافيك حال تخويفهم إياك بكذا كأنّ المعنى أنه كافيه في كل حال حتى في هذه الحال ، ويجوز أن تكون مستأنفة (١١).
فصل
من قرأ بكاف عبده يعني محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومن قرأ عباده (١٢) يعني الأنبياء عليهم (الصلاة و) السلام قصدهم قومهم بالسوء كما قال تعالى : (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ
__________________
(١) البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٧٦.
(٢) في الرازي : يدل على أن التكفير.
(٣) وفيه : بالتبري.
(٤) تكملة من الرّازي.
(٥) سقط من أوانظر : تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٢٨١.
(٦) قراءة متواترة سبعية ذكرت في الإتحاف ٣٧٥ والسبعة ٥٦٢ ومعاني الفراء ٢ / ٤١٩.
(٧ و ٨) قراءتان من الشواذ وذكرهما صاحب الكشاف ٣ / ٣٩٩ وصاحب البحر ٧ / ٤٢٩ وصاحب الدر المصون ٤ / ٦٥٤ وفيه : بكافي عبده.
(٧ و ٨) قراءتان من الشواذ وذكرهما صاحب الكشاف ٣ / ٣٩٩ وصاحب البحر ٧ / ٤٢٩ وصاحب الدر المصون ٤ / ٦٥٤ وفيه : بكافي عبده.
(٩) وهي المكافاة أو المكافأة بالهمز وغيره.
(١٠) قال بذلك الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٩٩ وانظر : البحر ٧ / ٤٢٩ ، والدر المصون ٤ / ٦٥٤.
(١١) أعربه السمين في الدر في المرجع السابق.
(١٢) وهي قراءة جعفر وحمزة والكسائي. قراءة سبعية كما أسلفت.