لِيَأْخُذُوهُ) [غافر : ٥] وكفاهم (١) الله شرّ من عاداهم. وقيل (٢) : المراد أن الله تعالى كفى نوحا ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ وإبراهيم النار ويونس ما دفع إليه فهو سبحانه وتعالى كافيك يا محمد كما كفى هؤلاء الرسل قبلك.
وقوله تعالى : (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) وذلك أن قريشا خوفوا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ معاداة(٣) الأوثان وقالوا : لتكفّنّ عن شتم آلهتنا أو ليصيبنّك منهم خبل أو جنون ، فأنزل الله هذه الآية(٤).
ولما شرح الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ختم الكلام بخاتمة هي المفصل الحق فقال : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ) أي هذه الدلائل والبينات لا تنفع إلا إذا خص الله العبد بالهداية والتوفيق ، ثم قال : (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ). وهذا تهديد للكفّار(٥).
فصل
احتج أهل السنة بهذه الآية على مسألة خلق الأعمال لأن قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ) صريح في ذلك ، وتمسك المعتزلة بقوله أليس الله بعزيز ذي انتقام ولو كان الخالق للكفر فيهم هو الله تعالى لكان الانتقام والتهديد غير لائق. والله أعلم (٦).
قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)(٣٨)
قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ.) .. الآية. لما بين وعيد المشركين ووعد الموحدين عاد إلى إقامة الدليل على تزييف طريق عبدة الأوثان وهذا التّزييف مبني على أصلين :
الأصل الأوّل : أن هؤلاء المشركين مقرون بوجود الإله القادر العالم الحكيم وهو المراد من قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ). قال بعض العلماء العلم بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم علم متفق عليه بين جمهور الخلائق لا نزاع بينهم فيه وفطرة العقل شاهدة بصحة هذا العلم فإن من تأمل في (٧) عجائب بدن
__________________
(١) في البغوي فكفاهم بالفاء.
(٢) نقله الرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ٢٨١.
(٣) في البغوي معرّة معاداة.
(٤) الرازي والبغوي السابقين.
(٥) قاله الرازي في المرجع السابق.
(٦) نقله الرازي في المرجع السابق.
(٧) في الرازي : فإن من تأمل في عجائب أحوال السموات والأرض وفي عجائب أحوال النبات والحيوان خاصة وفي عجائب بدون الخ ...