الإنسان وما فيه من أنواع الحكم الغريبة والمصالح العجيبة علم أنه لا بدّ من الاعتراف بالإله القادر الحكيم الرحيم.
والأصل الثاني : أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر وهو المراد من قوله : (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) فثبت أنه لا بدّ من الإقرار بوجود (الله) الإله القادر الحكيم الرحيم ، وثبت أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر وإذا كان الأمر كذلك كانت عبادة الله كافية والاعتماد عليه كافيا وهو المراد من قوله : (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)(١).
قوله : (أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ) هي (٢) المتعدية لاثنين أولهما : «ما تدعون» ، وثانيهما : الجملة الاستفهامية (٣) والعائد على المفعول منها قوله «هنّ». وإنما أنّثه تحقيرا لما يدعون من دونه ولأنهم كانوا يسمونها بأسماء الإناث اللات ومناة والعزّى (٤) ، وتقدم تحقيق هذا.
قوله : (هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ) قرأ أبو عمرو كاشفات وممسكات ـ بالتنوين ـ ونصب «ضره ورحمته» وهو الأصل في اسم الفاعل (٥). والباقون بالإضافة. وهو تخفيف (٦).
فصل
قال مقاتل : لما نزلت هذه الآية سألهم النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن ذلك فسكتوا فقال الله لرسوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : قل حسبي الله ثقتي بالله واعتمادي (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) يثق الواثقون (٧).
قوله تعالى : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٤٠)
قوله : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) وهذا أمر تهديد أي أنكم تعتقدون في أنفسكم أنكم في نهاية القوة والشدة فاجتهدوا في أنواع مكركم وكيدكم فإني عامل في
__________________
(١) انظر : الرازي ٢٦ / ٢٨٢.
(٢) يقصد : «رأى».
(٣) وهي : «هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ».
(٤) قال بذلك أبو حيان في البحر ٧ / ٤٢٩ والسمين في الدر ٤ / ٦٥٤.
(٥) ومعروف أنّ اسم الفاعل يعمل عمل فعله إذا كان بمعنى الحال والاستقبال بشرط كونه منونا وإذا أضيف كما في القراءة هنا فيحذف التنوين وهو منوي مراد. وإن كانت إضافته إلى معرفة فإضافته في تلك الحال لفظية القصد منها التخفيف. وانظر شرح الأشموني ٢ / ٢٩٣ ، ٢٩٤ وابن يعيش ٢ / ١١٩ (بتصرف منهما).
(٦) السبعة ٥٦٢ ، والنشر ٢ / ٣٦٣ وإبراز المعاني ٦٦٩.
(٧) البغوي ٦ / ٧٧.