التي لم تمت في منامها فالتي تتوفى عند النوم هي النفس التي بها العقل والتمييز ولكل إنسان نفسان إحداهما نفس الحياة وهي التي تفارقه عند الموت وتزول بزوالها النفس والأخرى هي النفس التي تفارقه إذا نام وهو بعد النوم يتنفس (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) فلا يردها إلى الجسد (وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) أي يردها إلى الجسد وهي التي لم يقض عليها الموت (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو وقت موته(١).
قوله : (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ) عطف على «الأنفس» أي يتوفى الأنفس حين تموت ويتوفى أيضا الأنفس التي لم تمت في منامها ف «في منامها» ظرف «ليتوفّى» (٢). وقرأ الأخوان : «قضي» مبنيا للمفعول الموت رفعا لقيامه مقام الفاعل (٣).
فصل
قيل : إنّ للإنسان نفسا وروحا ، فعند النوم يخرج النّفس وتبقى الروح ، وعن عليّ قال : تخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه في الجسد ، فبذلك يرى الرؤيا فإذا انتبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة ويقال : إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله فإذا أرادت الرجوع إلى أجسادها أمسك الله أرواح الأموات عنده وأرسل أرواح الأجساد حتى ترجع إلى أجسادها إلى انقضاء مدة حياتها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) لدلالات على قدرته حيث لم يغلط في إمساك ما يمسك من الأرواح وإرسال ما يرسل منها.
وقال مقاتل : لعلامات لقوم يتفكرون في أمر البعث يعني أن توفّي نفس النائم وإرسالها بعد التّوفّي دليل على البعث (٤).
فإن قيل : قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) يدل على أن المتوفّي هو الله تعالى فقط ، ويؤكده قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) [الملك : ٢] وقوله : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة: ٢٥٨] وقال في آية أخرى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) [السجدة : ١١] (وقال في (٥) آية ثالثة : (إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) [الأنعام : ٦١] فكيف الجمع؟
فالجواب : أن المتوفّي في الحقيقة هو الله تعالى إلا أنه تعالى فوض كل نوع إلى ملك من الملائكة ففوض قبض الأرواح إلى ملك الموت وهو الرئيس وتحته أتباع وخدم
__________________
(١) معالم التنزيل للبغوي ولباب التأويل للخازن ٦ / ٧٧ ، وانظر أيضا تفسير الرازي السابق.
(٢) نقل هذا الإعراب شهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٦٥٤.
(٣) من القراءات المتواترة وانظر السبعة ٥٦٢ والنشر ٢ / ٣٦٣ وإبراز المعاني ٦٦٩ وزاد المسير ٧ / ١٨٥.
(٤) وانظر كل ما مضى في تفسيري البغوي والخازن معالم التنزيل ولباب التأويل ٦ / ٧٨.
(٥) ما بين القوسين زيادة من الرازي.